* الدولة الحديثة التي تتوافق مع مبادئ الشريعة النموذج الأمثل لمصر
* الفتوى أصبحت أداة لتبرير العنف وتشريع إراقة الدماء
* الغلو والتطرف والتشدد ليسوا من طباع المسلم الحقيقي المتسامح المنشرح الصدر
حوار / بشير حافظ
الدكتور شوقي علام مفتي مصر مشهود له بالكفاءة وهدوء الطباع والدقة في صدور الأحكام الشرعية ويتسم بوسطية الأزهر الذي درس فيه بالإضافة إلى أن لديه قدرة على إستيعاب قضايا العصر ويتضح ذلك من مؤلفاته وأبحاثه، فقد كان أستاذاً للفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون جامعة الأزهر فرع طنطا قبل إختياره مفتياً بواسطة هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف .
” عيون الشرقية الآن” إلتقت فضيلة الدكتور شوقى علام مفتى جمهورية مصر العربية ، وتحدثنا معه فى عدد من القضايا الهامة ..حيث أكد المفتى على ضرورة أن نعيد بناء مجتمعنا من جديد وأن تعود بلادنا لسابق عهدها، كما كانت علي مدار التاريخ رائدة، وهذا لن يتحقق الا بالبحث العلمي والجد والإجتهاد.. وأكد المفتي على أن الإسلام لا يعرف الدولة الدينية ولا العلمانية، وأن الدولة الحديثة التي تتوافق مع مبادئ الشريعة الإسلامية، هي النموذج المثالي للدولة المصرية.
وشدد فضيلة المفتي علي أن الحفاظ علي الوحدة الوطنية في مصر من أوجب الواجبات ، ودعا لأن نربي أنفسنا علي ثقافة الأخذ بالأسباب، وعلي العمل والتنمية وألا نذل أنفسنا للخارج وأن نعتمد علي قدراتنا..وإليكم نص الحوار مع فضيلة مفتى الديار المصرية..
* بداية فضيلة المفتى حدثنا عن الأمانة العامة للإفتاء .. وما هى أهدافها؟
– الأمانة العامة لدور الإفتاء ستكون منظمة دولية متخصصة تقوم بالتنسيق بين الجهات العاملة فى مجال الإفتاء فى جميع أنحاء العالم بهدف رفع كفاءة الأداء الإفتائى لهذه الجهات وزيادة فاعليتها فى مجتمعاتها بحيث يصبح الإفتاء من أهم عوامل التنمية فى هذه المجتمعات.. وسيتم من خلالها بناء إستراتيجيات مشتركة بين دور الإفتاء الأعضاء لمواجهة التطرف فى الفتوى وصياغة المعالجات المهنية لمظاهر التشدد فى الإفتاء، والتبادل المستمر للخبـرات بين دور الإفتاء الأعضاء والتفاعل الدائم بينها، وإنشاء النظم التكنولوجية المتطورة الذكية لإيداع الخبرات والإنتفاع بها وإستثمارها، وتقديم الإستشارات الإفتائية لمؤسسات الإفتاء لتطوير أدائها الإفتائى وتنمية أدوارها المجتمعية.
كما سيتم من خلال الأمانة العامة للإفتاء تقديم العون الفائق للدول والأقليات الإسلامية لإنشاء دور إفتاء محلية تساعد فى نشر الوسطية والاعتدال فى هذه الدول، ووضع معايير وضوابط لمهنة الإفتاء وكيفية إصدار الفتاوى تمهيدًا لإصدار دستور للإفتاء يلتـزم به المتصدرون للفتوى ودور الإفتاء الإقليمية وصولاً لمنهجية موحدة فى الفتوى، وكذلك بناء الكوادر الإفتائية وتأهيل وتدريب الشرعيين الراغبين فى القيام بمهام الإفتاء فى بلادهم من خلال تراكم للخبرات المتنوعة للدول الأعضاء.
* وماذا عن إنشاء مركز عالمى لفقه النوازل وفتاوى الأقليات؟
– سيكون عبارة عن مركز بحثى دولى (think tank ) يهتم بدراسات متخصصة تدور على محورين أساسيين هما: المسائل المستحدثة متعددة الأبعاد التى يحتاج الإفتاء فيـها إلى معارف ومعلومات من مجالات علمية وبحثية متعددة ولا يصحُّ أن يقتصر الباحث عند الإفتاء فيـها على العلوم الشرعية فقط. والمحور الثانى دراسة وبحث المسائل التى تقع للجاليات المسلمة فى البلاد غير الإسلامية، والتى تحتاج لبحث دقيق فى السياقات المتعددة المحيطة بهذه المسائل ويؤدى عدم مراعاة هذه السياقات لاضطرابات شديدة فى حياة هذه الجاليات.
* وما المستهدف من هذا المركز؟
– نستهدف من خلاله سدّ حاجة هذه الجاليات المسلمة لمرجعية وسطية علمية، وتكريس النموذج القويم فى التعامل مع المستحدثات القائمة على الأخذ بمقتضيات إدراك الواقع بجميع تفاصيله مع التفعيل الواعى للأصول والمبادئ والمقاصد الشرعية، وكذلك إستحداث حلول شرعية تسهم فى تطوير المجتمعات المسلمة بحيث تصبح الفتاوى الشرعية من أهم أسباب التنمية فى هذه المجتمعات، وفتح مجالات لدراسات وأبحاث شرعية جديدة ومولدة تسهم فى تطوير العقلية الإفتائية المعاصرة من خلال الجمع بين المعارف الدينية والمعارف الاجتماعية.
* أوصيتم كذلك بإنشاء وحدات تأهيلية للإفتاء بالمؤسسات البحثية .. كيف سيجرى العمل فيها؟
– نظرًا لأننا وجدنا من خلال النقاشات أن من أكثـر الأسباب تأثيرًا فى إنتشار ظاهرة فوضى الفتوى تصدر غيـر المؤهلين للإفتاء .. لذا لزم أن تتم مواجهة هذه الظاهرة بعدة وسائل، ومن أهمها: أن تتبنـى المؤسسات البحثية مبادرة إنشاء وحدات لتأهيل المفتين داخلها، وهذه الوحدات ستقوم بتأهيل المفتين من خلال منهج عملى مهنـيّ بإعتبار أن الإفتاء مهنة مما يعنى إحتياج القائم بمهمة الإفتاء لمزيد من المعارف والمهارات تفوق تلك المعلومات التى تلقاها فى دراسته الأكاديمية فى المرحلة الجامعية الأولى، بل حتى فى مرحلتـى الماجستير والدكتوراه.
* من المبادرات والتوصيات المهمة التى أعلنتموها “ميثاق شرف للإفتاء” .. فكيف سيساعد هذا الميثاق فى مواجهة فوضى الفتاوى؟
– ميثاق شرف الإفتاء هو وثيقة أخلاقية تضم المعانى الإنسانية الراقية الحاكمة لعمل المفتى والتى يجب أن يلتـزم بها عند ممارسته مهنة الإفتاء والتـى تحافظ على المضمون الحقيقى للإفتاء، ونتوقع أن يساعد هذا الميثاق فى إعادة الاعتبار للإفتاء باعتباره مهنة إنسانية راقية تحكمها تقاليد أخلاقية تسعى لخير الإنسان وصلاحه ونفعه فى الدارين، وتكريس المعايير الأخلاقية فى تقييم الأداء الإفتائى للحيلولة دون ممارسة التيارات المتشددة للإفتاء بإعتبارها ممارسات مخالفة ومنتهكة للمبادئ الأخلاقية لمهنة الإفتاء.
* وماذا عن مواجهة فتاوى التطرف؟
– من ضمن المبادرات التى أطلقناها إنشاء مركز دولى لتحليل وتفكيك وتفنيد الفتاوى التكفيرية والشاذة، وهو مركز دراسات وأبحاث يشترك فيه باحثون من دول مختلفة الثقافات من المهتمين بالدراسات التى تتناول التشدد والشذوذ الفكرى وخاصة فى مجال العنف والتكفير، ويستهدف هذا المركز وضع آليات للكشف المبكر عن الفكر المتشدد والتكفيري، وتحليله للوصول إلى الجذور الفكرية والنفسية لهذا الفكر حتى يتسنى الكشف عن العمليات الذهنية التى يمارسها الشخص حتى يتمكن منه هذا الفكر؛ تمهيدًا لبناء نظم فكرية مضادة يمكن من خلالها تحصين العقل من الوقوع فى هوة النمط الفاسد من التفكير..ويستهدف كذلك تحديد الآليات الفكرية التـى يستخدمها هذا النمط من التفكيـر لتفريغها من عوامل تأثيرها على الرأى العام، ووضع خريطة عالمية تظهر فيـها المناطق المصابة بهذا النمط من التفكيـر والمناطق المرشحة لانتشاره فيها لاتخاذ الإجراءات اللازمة للحيلولة دون انتشار وانتقال هذا النمط، وتحديد العوامل الداعمة لهذا الفكر، وكيفية التعامل معها حتى يتم محاصرته.
* كيف يمكن نشر مبدأ الوسطية في المجتمعات الإسلامية؟
– يحدث ذلك عندما يستمع الجميع إلي المنهج الوسطي والمعتدل الذي يتصف به الإسلام؛ لأن الغلو والتطرف والتشدد ليسوا من طباع المسلم الحقيقي المتسامح المنشرح الصدر، ولا من خواص أمة الإسلام بحال من الأحوال، ومنهج الدعوة إلي الله يقوم علي الرفق واللين، ويرفض الغلظة والعنف في التوجيه والتعبير والتوازن والإعتدال والتوسط والتيسير، ومن خطورة التطرف والتشدد أنه تسبب في تدمير بني شامخة في حضارات كبري، وهو بكل أشكاله غريب عن الإسلام الذي يقوم علي الاعتدال والتسامح، ولا يمكن لإنسان أنار الله قلبه أن يكون مغاليًا متطرفًا ولا متشددًا، ولكي نبتعد عن الخلافات والانشقاق ،لابد من جلوس كل التيارات والقوي للحوار وبحث وتدارس القضايا التي تنهض بالأمة؛ حتي نستطيع توحيد الكلمة وتحقيق صالح البلاد والعباد، والوصول إلي مشترك فكري يمكن في إطاره إدارة الحوار البناء الذي ينهض بالبلاد والعباد حتي نتجاوز ما هو مختلف فيه، وضمان وجود السلام الاجتماعي الذي في ظله ينعم الجميع بحياة آمنة.
* ولماذا إختفي دور الأزهر في مواجهة الآراء المتطرفة لبعض المتشددين؟
– المؤسسة الدينية في مصر وعلي رأسها الأزهر الشريف ودار الإفتاء المصرية لها تاريخ ناصع في الدفاع عن الدين ونشر الوسطية والتسامح بين الجميع، علاوة علي إحتضان الفكر المنفتح، وعلماء الأزهر عبر تاريخهم الطويل وميراثهم العظيم كانوا ومازالوا لهم دور فاعل في نشر ثقافة الإسلام السمح ووسطيته وفي حماية هوية مصر الدينية، فالأزهر وعلماؤه جزء لا يتجزأ من حركة المجتمع وغير منفصل عن مشاكل الأمة وواقعها.
* هل تري أن هناك محاولات للنيل من الأزهر ومن رموزه لإقصائه عن دوره في التفاعل مع قضايا الأمة؟
– ما نشاهده اليوم خير دليل علي تفاعل الأزهر مع هموم الوطن من خلال وثيقة الأزهر وأيضًا سعيه لتوحيد صف الوطن والقضاء علي سياسة التهميش والتخوين، لكي تعبر الأمة إلي بر الأمان، فالأزهر بإعتباره مرجعية كبيرة أصبح قادرًا علي تقديم النصيحة العلمية والإجتماعية وغيرها التي تصل بنا إلي صحيح الإسلام، وحل مشكلات المسلمين، كما تجعل مرجعيته قادرًا علي تقديم إقتراحات للدول والحكومات، ولتصحيح مناهج التعليم، أو الإشتراك في وضعها عندما تتعلق بالمسلمين، ونحو ذلك من الخدمات التي لها أثر في إستقرار أوضاع المسلمين، وفي شيوع السلام الإجتماعي، وفي إندماج المسلم في مجتمعه، وفي مساعدته لأن يكون مواطنًا صالحًا نافعًا لأهله ووطنه، مشاركًا في بناء الحضارة الإنسانية.. والأزهر لا يلتفت إلي الأصوات التي ترتفع من أجل الشعارات وتنتهج ثقافة الهدم لا البناء وهو ماض في طريقه لا يثنيه عنه تلك الأصوات التي تريد أن تنال منه ومن أبنائه.
* كيف تستجمع مصر قواها مرة أخري؟
– بالإيمان بالله سبحانه وتعالي، والعلم والتنمية، والقيم الأخلاقية، والسعي من أجل أن نعمر مصر بسواعد أبنائها بعيدًا عن أي شكل من أشكال التدمير، وتوصيل رسالة الأمل الفسيح إلي الناس، حيث إن كثيراً من الناس محبط وقلق وخائف من المستقبل، لكن قضية الأمل هي التي ستجعل الناس تعود مرة أخري إلي العمل وإلي السعي والإجتهاد.
* هل تري فضيلتكم أن دور المرأة تراجع حاليًا وهل من الممكن أن تعتلي منصب الإفتاء امرأة؟
– المرأة لم يتراجع دورها علي الإطلاق ولم تهمش وهذا كلام مرفوض، فقضيتها ركن مهم في بناء المجتمع والنهضة الحضارية؛ لأن لها النصيب الأكبر في بناء تلك النهضة، والإسلام قضي علي كل أشكال التمييز ضدها، ونحن كذلك ضد كل الدعوات التي تريد إقصاءها بأي حال من الأحوال، وتحت أي مسمي من المسميات، وأنا لا أرفض تعيين المرأة أمينة فتوي بدار الإفتاء المصرية، لأن لا القانون ولا الشرع ولا العرف يمنعون هذا، بالعكس نحن نرحب بها في دار الإفتاء، لكن هذا لا بد أن يكون وفق شروط ومؤهلات تؤهلها لأن تكون أمينة فتوي، هذه الشروط تتمثل في حفظ القرآن والمتون الفقهية واللغوية، وأنا حتي وقتنا هذا لم أقابل إمرأة تتفق عليها الشروط اللازمة للتعيين في أمانة الفتوي، ولو وجدت فإنني سوف أعينها كبيرة أمناء الفتوي بالدار، نحن لا نريد مجرد إثبات حالة بتعيين إمرأة مثلما حدث في العصور الماضية مما أسهم في إنهيار مؤسسات المجتمع، بل نريد أن نضعها في مكانها الصحيح وفق الإمكانات والخبرات والكفاءات وهذا سيصب في مصلحة المرأة وقضيتها قبل أن يصب في مصلحة المؤسسة التي ستكون فيها، وبالتالي يجب علي المرأة أن تعي جيدًا أن لها دورًا عظيمًا في النهضة الحضارية مما يحتم عليها أن تؤهل نفسها جيدًا من أجل أن تقوم بدورها في بناء الأمة والحضارة والنهضة.
* نريد من فضيلتكم أن ترسل رسالة قصيرة لكل المصريين؟
– نريد أن نربي أنفسنا علي ثقافة الأخذ بالأسباب، وعلي العمل والتنمية، وأننا لن نذل أنفسنا أمام العالم الخارجي، لأن مصر مليئة بالخيرات، وخير دليل هم أبناء مصر في الخارج، لذا أنا أدعو إلي الإستفادة بالخبرات المصرية الموجودة بالخارج وتهيئة الأجواء لعودتهم فهم ثروة حقيقية لمصر.