العلماء هم ورثة الأنبياء،ولم يورثوا درهما ولا دينارا وإنما ورثوا العلم،إننا بصدد الحديث عن عالم رباني وشيخ تقي ومن المجددين والمجاهدين في تاريخ الأزهر الشريف. مولده ونشأته: ولد الشيخ محمد إبراهيم إبراهيم الظواهري الملقب بالأحمدي (تبركا بسيدي أحمد البدوي) في عام 1887م بقرية كفر الظواهري التابعة لمركز ههيا- محافظة الشرقية،وقدنشأ في أسرة كريمة مشهورة بالصلاح والتقوى،وكان والده من علماء الأزهر الشريف المتصوفين،وقدحفظ القرآن الكريم،ورحل للقاهرة وإنتسب للأزهر،ودرس علومه على كبار شيوخه وأصحاب الشهرة،في وقت كان الأزهريخوض حركة إصلاحية نشطة،فقد حضر إلى مصر جمال الدين الأفغاني،وانضمَّ إلى مجلسه أرباب اللسان والقلم من أبناء مصر،وعلى رأسهم الشيخ محمد عبده،فتأثر به،فعقد النيَّة على تبنِّي دعوته في إصلاح الأزهر وإثراء الحركة العلميةوالتعليمية فيه،وقدولي مشيخة الأزهر عام 1929م بعد إستقالة الشيخ محمد مصطفي المراغي،فهوالشيخ التاسع والعشرون من شيوخ الأزهر. * بصماته وفكره الإصلاحي للأزهر عمل الشيخ الظواهري علي إصلاح الأزهروالنهوض وذلك في عام 1925م،أي قبل توليه المشيخه،فقد كانت هناك دعوة غريبة إلى جعل الأزهر تابعًا لوزارة المعارف وتكون لها السيطرة عليه،على أن يبقى لشيخه مظهره الديني ووضعه اللائق في الرسميات،وكان رأيًا خطيرًا هدامًايبغي إلغاء الأزهر وهدم مكانته التاريخية ومنزلته في العالم الإسلامي، وكان للشيخ الظواهري موقف كريم؛ حيث ثار على هذا الرأي،ورأى فيه خطرًا داهمًا على الأزهر،فصدع برأيه قائلاً: كيف نقر ضم الأزهر للمعارف في الوقت الذي ننادي فيه باستقلال الجامعة المصرية عن نفوذ المعارف. سعى الأمام إلى إصدار مجلة ثقافية تتحدث باسم الأزهر،أطلق عليها في أول الأمر “نور الإسلام” ثم تغير اسمها إلى مجلة الأزهر،وصدرت في 29 من مايو 1930م،وأسند رئاسة تحريرها إلى الشيخ محمد الخضر حسين،كماأنشئت في عهده الجامعة الأزهرية الحديثة،وفي عهده أرسلت بعوث الدعوة إلى الصين واليابان والحبشة والسودان للدعوة إلى الإسلام . *الظواهري يستقيل من مشيخة الأزهر : لم يستطع الإمام أن يحقق كل ما يطمح إليه من وجوه الإصلاح التي دعا إليها في كتابه “العلم والعلماء” لاعتبارات سياسية، فاشتدت معارضة العلماء والطلاب له، وجابهوه بالعداء، وزاد من أوارها الأزمة الاقتصادية الخانقة التي كانت تمر بها البلاد،ولم يجد خريجو الأزهر عملاً لائقًا، وعمل بعضهم دون أجر حتى يحفظ لنفسه حق التعيين حينما تواتيه الظروف، وزاد الأمور سوءًا أن السلطات طلبت من الظواهري فصل مائتين من العلماء في ظل هذه الظروف، فاستجاب لهم وفصل بعضهم،وبلغت الأزمة مداها بفصل عدد من طلاب الأزهر الغاضبين من سياسته والثائرين عليه،فلم يراعوا حرمة الشيخ وجلال منصبه، فجابهوه بالعداء السافر، وكانت التيارات الحزبية وراء اشتعال الموقف،ولم يستطع الشيخ أن يعمل في ظل هذه الظروف العدائية،فقدم استقالته 26 من إبريل 1935م،وعاد الشيخ مصطفي المراغي للمشيخة مرة أخري. * مؤلفاته : لقد ترك الشيخ الظواهري العديد من المؤلفات منها ما طُبع،ومنها ما يزال مخطوطًا ولعل أبرزها:العلم والعلماء (يسخطُ فيه على أحوال الأزهر ومشايخه ورجاله ويدعوا للإصلاح)،رسالة الأخلاق الكبرى،السياسة والأزهر،الكلمة الأولى في علم آداب الفهم، وهو علم اخترعه وجعله بمثابة ميزان دقيق،أو قانون كلي لرفع الخلاف القائم بين المتأخرين في فهم آراء المتقدمين، خواص المعقولات في أول المنطق وسائر العقليات،التفاضل بالفضيلة،الوصايا والآداب، صفوة الأساليب،حِكَم الحكماء،براءة الإسلام من أوهام العوام،مقادير الأخلاق. * قالوا عنه: وصفه المعاصرون بقولهم لم يكن شيخا عاديا للأزهر ولكن كان رحمه الله علما مجددا منذ كتاب العلم والعلماء حتى استقالته،وكان رحمه الله الأب الشرعي لجامعة الأزهر وكلياتها التي أفتتحت في ذلك الوقت،وقال أخرون “لو أنَّ الظواهري هادَنَ وسالم الحاقدين عليه من ذوي النفوذ وأخذهم بالحسنى لما ترك لهم فرصة التقوُّل عليه والإيقاع به،لكن هكذا دائمًا كل مصلح ناجح محسود” * مواقف خلدها التاريخ* مرض أمير الشعراء أحمد شوقي مرضا شديدا وذات يوم فوجئ بخادمه يخبره أن الشيخ محمد اﻷحمدى الظواهرى شيخ اﻷزهر يريد لقائه فهب شوقى واقفا وهرول للقائه،فلما قابله ورحب به سأله عن سبب تشريفه بالزياره فكان جواب شيخ اﻷزهر” جئتك مأمورا من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد زارنى النبى الليلة الماضية وأمرنى أن أتى إليك وأخبرك أنه صلى الله عليه وسلم فى انتظارك “وبعدها بأيام قليلة توفى شوقى ومنذ وفاته لم يكن الشيخ محمد متولى الشعراوى يذكره إلا ويقول لا تقولوا شوقى رحمه الله ولكن قولوا شوقى رضى الله عنه فوالله لم يمدح النبى شاعر مثل ما مدحه شوقى بداية من حسان بن ثابت وكعب بن زهير إلى يومنا هذا : أبا الزهراء قد جاوزت قدرى بمدحك بيد أن ليا إنتسابا فما عرف البلاغة ذو بيان إذا لم يتخذك له كتابا مدحت المالكين فزدت قدرا وحين مدحتك أقتدت السحابا . وقد كان الشيخ الظواهري متواضعًا وزاهدًا في الدنيا،ناداه أحد العلماء بلقب الإمام الأكبر،فقال له:ما أنا إلا واحد من المشايخ،وما أنا إلا عبد الله محمد الظواهري،ولست أعتقد أن في مركزي هذا أكبر شيخ في الأزهر،بل أعتقد أن الأكبر هو من كان عند الله أكرم،مصداقًا لقوله تعالى: “إن أكرمكم عند الله أتقاكم”،ولست أعد نفسي إلا خادمًا للأزهر وأبنائه،لا رئيسًا له كبيرًا عليه. لقدكان الملك فؤاد يثقُ به ثقةً مطلقة منذ عهده به، كان يستدعيه أحيانًا من طنطا في مقابلات خاصَّة يستشيرُه في كثيرٍ من الشؤون الدينية والمدنية،ومع هذا لم يملأه الغرور،وظلَّ متواضعًا زاهدًا مع ثرائه وسعة رزقه. وفاته: توفي الشيخ الإمام محمد الأحمدي الظواهري رحمه الله بالقاهرة في 13مايو عام1944.