الكثير من الناس ، يتحدثون عن الشعر والشعراء ، ببصيرة عمياء ، ويصدرون فتواهم بأن الشعر حرام ، ومعصية ، وأنه يغضب الله عز وجل ..!! وأعتقد أن هذه الآراء أو هذه الاجتهادات الفكرية المنقولة والمغلوطة ، والتى قيلت في حق الشعراء عامة ، غير صحيحة بالمرة ، والموضع أكبر من أن يفتي فيه من يجهل حقيقة الأمر ، ولا نعلم من أين أتوا بهذه الآراء الفاسدة ، وأنهم بهذا خرجوا عن النص وقالوا هذا حرام وهذا حلال .. !! لقد ذكر الشعر في القرآن الكريم في مواضع متعددة ، منها اتهام الكفار والمشركين للرسول صل الله عليه وسلم أنه شاعر ، وما أنزل عليه هو شعر ، وقيل أكثر من ذلك ، بأنه مجنون ،وأنه ساحر، وأنه شيء افتعله من تلقاء نفسه . وجاء الرد من الله عز وجل لينصف رسوله ، بهذه الآيه فى سورة يس رد الحق سبحانه :- وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ ۚ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ (69) وهنا نرى أن الله عز وجل لم يحرم الشعر بل جاء للرد على افتراء الكفار والمشركين واليهود ولتبرئة رسول الله صل الله عليه وسلم مما نسب إليه منهم . وفي موضع آخر يقول سبحانه وتعالى : ـ والشعراء يتبعهم الغاوون ألم تر أنهم في كل واد يهيمون وأنهم يقولون ما لا يفعلون إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيرا وانتصروا. أي أن الشعراء يتبعهم فئة من الناس الغاوية ، لهذا النوع من القراءة والكتابة ، وأنهم في كل واد يهيمون ، أي لا ثبات ولا رشد لهم بدليل أن الشعر بحوره كثيرة ومواضع الكتابة رحيبة ، وشعراء الجاهلية كان معظم كلماتهم خادشة للحياة ، وكانت قلوبهم تمتلئ بالكفر والمجون ، بسبب البعد عن الله ، لذالك اختصهم الله عز وجل بقوله .. ” وأنهم يقولون ما لا يفعلون ” وكان أغلب شعراء الجاهلية يتاجرون بالشعر، وكان يمدحون فئة من الناس ، مقابل بعض من المال ، أو ماشابه ذلك ، وهذا أمر وارد، فليس كل ما يقوله الشاعر يفعله ، أو كل ما يقوله يحمل الصدق ، فأحيانا يفتعل الشاعر كلماته من تلقاء نفسه ، وأحيانا لا يكون على صواب ، ويتحدث بجهل وأحيانا يصيب ، ويتحدث عن علم ، فما بالك بشعراء الجاهلية أيام الجهل وقلة العلم والمعرفة وأدراك الحقائق !! “إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيرا وانتصروا من بعد ما ظلموا وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون” ومن هؤلاء الناس الكفار الجاهلين ، وبعض الشعراء الذين أطلقوا على رسول الله هذه الأقاويل ، بعضهم عاد إلى رشده وأمن بالله وما أنزل على رسول الله صل الله عليه وسلم ، والبعض الأخر الذين ظلموا أنفسهم ، وافتروا وعاندوا رسول الله وأصروا على تحدى الله عز وجل ، بصناعة وكتابة بعض الكلمات لتشويه ما انزل على رسول الله ، فلم يفلحوا بذلك وسرعان ما كشف الناس أمرهم عنادهم .. وهؤلاء اختصهم الله عز وجل في قوله :ـ “وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون” وهنا حدث سجال بين شعراء وكفار الجاهلية فنزل قول الحق تعالى في سورة هود :- “أم يقولون افتراه قل فاتوا بعشر سور مثله مفتريات وأدعو من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين” ولم يجدوا من دعوتهم جميع الجاهلين إلا أنهم كذبوا ولم يستطيعوا ولم يفلحوا بصياغة كلمات تتشابه على ما أنزل على رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم فنزل قول الحق تعالى في سورة البقرة :- “وإن كنتم فى ريب مما نزلنا على عبدنا فاتوا بسورة من مثله ” وفشلوا ولم يفلحوا أيضا واعتدوا على رسول الله بالقول بأنه أصابه الجنون ، وأن بعض الجن والإنس يسانده ، وهو من سخر له ذلك وانه ساحر فرد الحق عليهم قائلا في سورة الإسراء :- “قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا” هذه المواضع ذكرت فى كتاب الله ، وفى عصر الجاهلية ، ولم يكن مقصود به ، أن الشعر حرام ، أو بدعة ، أو القاءه معصية ..!! بل هم مجموعة من الجاهلين ، خيلت لهم أنفسهم أنهم يستطيعوا أن يأتوا بمثل أيات القرآن وفشلوا وكذبوا وافتروا بقولهم ، وحسابهم عند الله عز وجل ، وقد أشار الحق تعالى فى آياته غرور بعض شعراء الكفار المنافقين الجاهلين الذين كفروا وكذبوا بما أنزل على “رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم” وفي هذا المقام أقول أن فن الشعر عبارة عن منظومة ذهنية ووجدانية تعتمد على الواقع ، وعلى الخيال ، فيما لا يضر الإنسان والدين والمجتمع والوطن ، ويلزم وجود هذا النوع من الآداب ما لم تخرج عن الآداب والذوق العام . قطب صلاح رمضان