بقلم / نبيل مصيلحي
فى وقت اختلط فيه الحابل بالنابل فى الحياة الأدبية وعلى وجهٍ أخص فى مجال كتابة الشعر ، حيث ظهر الزبد الكثير فوق سطح الواقع من مدعى الشعر، يزاحم فى أماكن كثيرة ، يعرض نفسه كشاعر تملؤه الثقة بالنفس ، أنه من الشعراء الكبار وهو فى الحقيقة لا شئ، ، ويلهث خلف وسائل الإعلام ، ولأن الإعلام هذا ما عاد رسالة للتنوير ومرآة للرأى العام ، فقد تسلل إليه من يجهل ماهيته وغايته السامية النبيلة ..
لقد أتاح لأدعياء الشعر على وجه الخصوص بمساحات لا بأس بها على شاشات الفضائيات لا تسمن ولا تغنى من أدب ، مما يهدد حركة الأدب ويمزق أواصرها، وعليه تختفى القيمة الإبداعية وأصحابها ، وسمحت بأن يعتلى سطح الخريطة الأدبية، هذا الزبد المشار إليه من قبل ليكون هو الوجه الكائن لحقبة زمنية لم ترفضه. حقيقة أنا لم أسلم تماما بأن إبداع العامية المصرية توقف بعد الشاعر فؤلد حداد ، كما يعتقد البعض ، ولا أنكر الجهد الكبير الذى بذله فى إرثاء قواعده ، ولولا تجارب من سبقونا، ما أثريت تجاربنا.
لذلك نقول أن حلقات السلسة لم تنفصل ، فهى متصله ، ولن يثبت ذلك إلا بحث النقاد فى مناحي الحياة الأدبية ، لإكتشاف الحلقات الإبداعية الجديدة لإضافتها ، لتواصل الأجيال ، فما خلا الواقع من الشعراء المجيدين، ولكن يبدو أن قناعة النقاد قد توقفت عند زمن بعينه ، بما كان يحمله من شعراء كما ذكرنا وهذا لعدم قدرتهم على التواصل البحثى الجاد أو لأسباب أخرى تشغلهم عن البحث والتنقيب ، وعن كل ما هو جديد فى عالم الإبداع.
فى 29 أبريل 2015 قدمت الشاعر محمود سليمان لديوانه الثانى ( ضل الصفصاف ) ، واستشرفت له ما وصل إليه ، وأنا بصدد كتابة إضاءة عنه بمناسبة إصداره للديوان الخامس ( يوم وماشى ) ، وفى 3 أغسطس 2019 أربع سنوات من المعافرة مرت ، ولم ترتاح سواقيه الفكرية والوجدانية ، للوصول إلى الأفضل فى عالم شعر العامية المصرية ، وبنص الكلمة قلت: ( كانت رغبتى شديدة فى أن أقدمه من خلال ديوانه لعشاق الشعر، وكيف أتأخر عنه ، وهو شاعر يعافر ليقدم إلى الواقع الأدبى أفضل ما لديه ) .
وكانت رؤيتى كالسهم أصابت من نن الهدف ، فهذا هو الشاعر محمود سليمان ، وقد أصدر ديوانه الثالث ( أوجاع امبارح ) ، ولم يحجزه أى حاجز، أو يعوق إصراره أى عائق ، فقد جمع .. ( ألووه يا مركز ، وضل الصفصاف ، وأوجاع إمبارح ) ، واستعان بخالق السموات والأرض ، وحرر استمارة الحصول على العضوية العاملة لإتحاد كتاب مصر فى ( أكتوبر 2018 ) تقريبا ، وحصل على كارنيه الإتحاد ، لينضم إلى كتائب إتحاد كتاب مصر ، وكانت سعادتى لا يحدها أى مدى ..استشعرت أن هذا النجاح نجاحى أنا ، ويعلم الله على ما أقول ، وما زالت رغبتى شديدة أن أشاركه نجاحاته.
والأن مع إصراره أن أكتب إضاءة عنه وأقدم له كلمة عن ديوانه الخامس ( يوم وماشى ) ، حيث فاجأنى بظن قاتم السوداوية ، بأن ديوانه هذا سيكون الأخير .. وأقول له ، يجب أن نحسن الظن بالله ، واستشعرت أن ما دفعه إلى هذا الظن، أنه يقترب من سن المعاش الذى يبدأ من 11 أغسطس 2019. وأحاول أن أسيطر على مشاعرى نحوه ، لأننى بالفعل فى حضرة من أحب ، وهذا لا يجوز مع تناولى الكتابة عنه وعن شعره ، فأنا لا أميل أبدا إلى المجاملات فى الإبداع، مهما كانت درجة الحب بيني وبين من أكتب عنه ، فالكتابه رسالة وأمانة .
يعجبنى هذا التنوع فى مواضيع القصائد ، فالقليل من الشعراء من يجيد فنية الانتقال إلى أماكن جديدة ، ليطرح للقارئ الجديد من الشعر، فشاعرنا محمود سليمان ، دائم التنقل من مكان إلى مكان ، فنجده متنوع الصور الفنية ، متجدد العبارة ، ثرى المفردات الشعبية ، يطرق أبواباً عديدة ، فى الواقع وفى الخيال ، ليقدم للقارئ أصنافاً وألواناً من الشعر يحمل من كل المشاعر والأحاسيس من ذاته وذوات الآخرين.
وما أريد أن أبرزه في جانبه الإنساني، وأيضا في جانبه الإبداعى ، قيمة الإنتماء الشديدة ، فهو يرتبط بوطنه إرتباط العاشق فهو يقول : ( ومهما الدنيا بينا تدور / ح أعيش مع نفسى أيامى / وهاغزل شمس أحلامى ) ، كما أنه يشعر بألآم أهل بلده فيقول لأم الشهيد على لسان الشهيد : ( يامَّا ارسمى فوق الشفايف بسمه / ابنك رصاص للعدا وموت لأحلامهم ).
وهو يعبر ويصور ليضع بصمته الفنيه على النص، فى لوحة عشق وطنيه يقول : ( وانتى لسه حضن دافى / الحسن فيكى / بدر شفت الراحه فيه / بدر التمام / العيون متكحله / الغصن بان / التوب دا أبيض / والكتاف أعرض واعرض / من حدود الدنيا والشوق والخيال / النظرة تأثر القلوب / كل القلوب بتحبها / من خليجها لبحرها / الفخر لينا / فجر ساكن فى العيون / نتولد فوق أرضها / شايله هموم الدنيا فوق كتفها / ولا همَّها / حاجه حلوه فى التاريخ والأثر / مصر هيَّا أمِّنا غنوه وأثر ). ويصوغ محمود سليمان قصائده ليعبر عن علاقته بالحياة والناس من حوله ..
لا ينقصل عن كونه يمثل النبض الحامل لأمانة العقل ، ورسالة الشعر ، لندرك تواجده الفاعل ، ويعيد إكتشاف نفسه ، واكتشاف العالم من حوله ، لينقل لنا أثر هذه العلاقة فى قصائده الشعرية. إن ما ذكرته ما هو إلا النذر القليل جداً ، لمقدمة مولوده الجديد ، ولمشواره الطموح ، وتجربته الشعرية والشعورية .
وأعلن فى كلمتى أن الشاعر محمود سليمان .. استطاع أن يقف بقوة فى صف شعراء العامية المصرية النابهين ، وبمقدوره أن يقدم للقارئ كل ما هو جديد فيما يطرحه ، وفيما سوف يطرحه من عطاء شعرى لاستكمال مشواره الإبداعى . متمنيا له مزيدا من التوفيق والرقى والازدهار. الكاتب الصحفى / نبيل مصيلحى عضو اتحاد كتاب مصر