حوار- انتصار رأفت
تحتفل مصر بالذكري ال٤٥ لنصر أكتوبر،ذكري تحرير سيناء الحبيبة،حينما تمكنت قواتنا المسلحة من عبور قناة السويس وتدمير خط بارليف والتوغل في سيناء،وتحريرها من براثن الأعداء.
وقد إلتقت عيون الشرقية الأن بأحد أبطال أكتوبر والذين لقنوا العدو دروسا ،وضربوا أروع الأمثلة في التضحية والفداء،وأجرت معه الحوار التالي:
س:ماذا عن نشأتك
** اسمي محمود حموده محمد ٦٥سنه من مواليد١٩٥٣/٥/١٨،عملت بشركة النيل للانشاء والرصف سابقا ومقيم بأولاد مهنا التابعه لقرية اولاد سيف بمركز بلبيس محافظة الشرقية.
س:ماذا أجواء ما قبل الحرب
** كنت مجند بالكتيبه رقم٢٥٦ سريه الثالثه اللواء السادس الفرقه الرابعه،وكنت فى اجازتى الرسميه وفجأه وردنى اتصال يخبرني بقطع اجازتي والحضور فورا للكتيبه وكان ذلك فى اوائل اكتوبر وبالوصول الى ارض المعسكر كانت الاجواء غريبه،حيث شاهدت الدبابات بالخارج والعربات مليئه بالمكان وعندما سالت عما يحدث قاموا بأبلاغنا بقيام مشروع ولكنى لم اكن مطمئن القلب، ثم طلبو منا حلق رؤسنا ومع طلوع النهار وجدنا الجو متغير وحركه غير طبيعيه بالمكان وعند حلول الليل اخذنا الاوامر بان نحزم امتعتنا وذهبنا لجلب المياه واخذ كل منا موضعه في الدبابات وكنا نقوم بقضاء اليوم صباحا فى ارض الطابور ومن ثم ناخذ موضعنا بالدبابات ،لم نكن ندخل عنابرنا وبقينا على هذا الحال حتي اعلان قرار الحرب.
ماذا عن إعلان الحرب ،وأين كان موقعك
فى صباح ٦اكتوبر علمنا بوجود اجتماع للضباط بمقرهم وشعرنا بقلق شديد واخذنا ننتظر عودتهم لنعلم مايحدث لكى نشعر بالطمأنيه واستغرق الاجتماع حوالى ساعتان وفجأه وجدنا الضباط يقبلون علينا زحفا وقبل الوصول الينا بعدة امتار وجدنا السماء مليئه بالطائرات المصريه واخذ الضباط يهللون الله اكبر الله اكبر ومن هنا علمنا ان الحرب بدأت قبل ان يقوم الضباط بإخبارنا ثم اتجهت الفرقه كامله المكونه من اربعين الف جندى الى فايد وعند الوصول الى ثغرة الدفرسوار قام البعض بالعبور الى الضفه الشرقيه وبدأ الهجوم من العدو فتراجع الباقى وظلو فى الضفه الغربيه وكنت انا ضمن هؤلاء ،وقمنا باتخاذ موقع لنا وتجهيز المعدات لحماية انفسنا من ضربات العدو وأخذنا نرصد تحركات العدو واخذ العدو يرصد تحركاتنا وكان العدو يرصدنا من فوق قمة عاليه،لذلك كنا مكشوفين له واخذنا نوجه ضرباتنا للعدو، وفجأه وجدنا السماء قدامتلئت بالطائرات الاسرائيليه بعد قيام العدو باتصالاته وبالضرب المستمر فوق رؤسنا،وقد تبعثرت الجنود هنا وهناك وفى هذه اللحظه كنت حكمدار مدفع م.م ارضى يحمل ١١شريط بكل شريط ٢٥٠طلقه ومعى٣جنود مساعدين ومع استمرار الضرب لم اجد احد بجانبى الى ان انتهت الذخيره التى بحوزتى وفجأه اشتد اطلاق النار فوق راسى فقمت بالقفز فى حفره للاختباء بها وبالضرب المستر امتلات الحفره بالترات واخذت ارفع ارجلى فوق التراب حتى لا يغطيني التراب واخذت اعافر الى ان وصلت لسطح الارض من جديد ومازال الضرب مستمر ومع ذلك لم اقم بالتخلى عن سلاحى فقمت بمسك المدفع واخذت ادفع به امامى واحاولى الجرى للوصول الى اقرب ساتر للاحتماء به وكان يبعد عنى سكة حديد بحوالى كيلو وعدة امتار وبالفعل وصلت ولكننى لم استطع دفع المدفع للاعلى فتركته بالقرب من الساتر وصعدت فوقه وجدت قائد الكتيبه المقدم صلاح مصباح ورئيس العمليات محمود غنيم والصول زغلول فشعرت بالطمأنينه وسألنى عن باقى الجنود فرويت لهم ماحدث وفجأه سالنى الصول زغلول عن سلاحى بنبرة صوت عاليه فقام القائد الاعلى بالرد عليه قائلا”انت مش شايف حالته عامله ازاى مش وقته خالص” فقمت بالرد اننى لم اتخلى عن سلاحى وجلبته معى فهو موجود اسفل الساتر وبالفعل القى نظره وجد المدفع كما هو وجمله قالها لن انساها ابدا “اخذ يطبطب على كتفى ويردد الله اكبر عليك ياحموده الله ” وقمت باخذ التعليمات بان افك المدفع واقوم بدفنه فى الرمال وبالفعل قمت بذلك .
س:ماذا عن أبرز المعارك التي دارت معكم في سيناء
** ذهبنا على ترعة الاسماعيليه متجهين الى السويس وفى كل خطوه كنا نقابل مجموعة عساكر وبدأ الامور شائكة عندما نزل العدو من فوق الجبل واخذ مساحات اكبر الى ان وصل للمكانناواخذ ينادى الجنود “ارقد ارقد” ومره اخرى تفرقنا واختبأت تحت نخله ومع الضرب اشتعلت النخله وكانت تتساقط النيران من فوق رأسى وفجأه صمت الضرب دقائق معينه فى هذه الدقيقه قمت بالقفز فى الترعه وعندما وصلت المياه رأسى اقتربت من الشاطئ الى ان عبرت معى بعض الجنود فى البر التانى واخذنا نزحف على بطننا وتختبئ بالارضى ونسير ليلا وفجأه وانا ماشى شعرت بشئ لين تحت قدمى فوجدت جثه لجندى مصرى واخذت ابحث فى يده وصدره ولكني لم اجد شئ،فقمنا بدفنه،ثم تابعنا السيرالى ان وصلنا الى بيت كبير مهجور بعد تعب وارهاق شديد قمنا بالاستراحه خارج البيت وبالخارج حصيرتان قمنا بالنوم على واحده وبتغطية انفسنا بالثانيه وفجأه عندما غفلت عينى سمعت صوت همس ف البيت من الداخل قمنا مزعورين وقمنا بطرق الباب عدة مرات الى ان استجاب احد سكانه الينا ولكنه كان خائف ان يفتح لنا الباب ومع اصرارنا وتاكد اننا جنود مصريه وطلبنا بعض المياه فطلب من زوجته اعداد الطعام الينا وجلب المياه وبعد ان اكلنا واخذنا ما يكفينا من المياه طلب مننا صاحب المكان بالجلوس معه وانه سياتى لنا بلبس ملكى ولكننا رفضنا وبالفعل خرجنا واكملنا طريقنا متجهين الى القناه ووجدنا احدى عربات الجيش محمله ببعض الجنود فركبنا بها وبدأنا ناخذ كل مايقابلنا من عساكر الى ان وصل العدد ٥٠جندى ولكننا لم نسلم مثل كل مره، حاصرتنا طائرة العدو واخذت تضرب فوق روؤسنا فنزلنا مفزوعين وبعدها توقف الضرب فقامت العربه بالتحرك من جديد ومن لحق ان يركب ركب ومن لم يلحق ظل مكانه وكالعاده بقيت ضمن الموجودين واخذت امشى انا وبعض الجنود الذى بقوا معى الى ان اتجهنا الى التبه السحريه بالقرب من خندق قمنابالاختباء به ليلا حتى يطلع النهار وكنا ٧افراد اصر ثلاثة جنود عبور المياه للوصول الى الجنود المصريه وتبقى ٤ افراد وكنت انا ضمن ال٤جنود وبقينا بالخندق وفى الصباح سمعنا صوت غريب من فوق الخندق ولغه غير مفهومه فعلمنا انهم جنود اسرائيليه وظللنا مختبئين به ثلاث ليالى،كدنا نموت عطشا.
س: ماذا عن قيام العدو بأسركم
**سمعنا صوت جندى مصرى يطلب منا الخروج من الخندق فخفنا فى بداية الامر ومع اصراره شعرنا بالطمأنينه وخرجنا ولكنه كان فخ لنا وكانت الجنود الاسرائيليه محاطه بالمكان وكان الجندى المصرى اسير معهم واستغلوه فى اخراجنا وقامو بحملنا فى عرباه وذهبوا بنا الى معسكراتهم وقاموا بوضعنا فى خيام وكانت تضم الخيمه حوالى ٢٠٠اسير وكنا نصل جميعنا الى حوالى ١٠الاف اسير واخذوا يقومو بتوزيع الطعام علينا وكل يوم ياتى عدد من الجنود الاسرى المصريه وجاء جندى جديد كان يملك معه راديو اخذنا نستمع للنشره لمعرفة مايدور بالخارج وبقينا شهر على هذا الحال وفى احد الايام سمعنا خبر بتبادل الاسرى فقام الجنود باصدار الاصوات العاليه من الفرحه واخبار بعضهم هذا الخبر السار وتنقل الخبر من خيمه الى خيمه وعندما شعر العدو بهذه الضجه قاموا باطلاق النار على الخيام لتهدئة الجنود وقامو بتسليط الضوء على الجنود وفى الصباح اخذوا الخيمه الاولى التى اثارت الشغب الى الميدان لتعذيبهم وتأديبهم وكان الميدان عبارة عن خندق كبير وقاموا بارسالهم الى الخيمه مره اخرى فوجدنا الخيمه مقلوبة رأسا على عقب بحثا عن هذا الراديو ولكنهم لم يجدوه لانه كان مدفونا فى الرمال ،قمنا باخراجه للتاكد من وجوده وجدناه كما هو وظللنا نستمع اليه فى صمت .
س:ماذا عن خروجكم من الأسر وفق صفقة تبادل الأسر
**بعد اسبوع وجدنا بعض الجنود المصريه خارجين من خيامهم واخذنا نسألهم الى اين متجهين وتحدث واحد منهم ناطق بكلمه واحده وهى “كايرو” فقام العدو بتأديبه وبعدها قاموا بأخراجنا ايضا واستلمنا جميع امتعتنا بالخارج وركبنا العربات وذهبنا الى مطار اللد فى تل ابيب ونزلنا اسكندريه عروس البحر وخمس دقائق وصلنا ارض مصر وقام المشير احمد اسماعيل باستقبالنا فى ارض المطار ناطقين بلادى بلادى وتنهمر الدموع من اعيننا واخذنا نقبل ارض الوطن ونسلم على المشير احمد اسماعيل وجميع الرتب الى ان وصلنا الى الاتوبيسات وجلسنا واخذنا كل منا وقامو بتوزيع الطعام والشراب علينا واخذوا يطمئنوا فينا وتحركنا الى معسكر دهشور فى نصف شوال وقضينا الليل فيه .
س:ماذا عن شعور أهلك عندما وصلهم نبأ عودتك
**قام احد زملائي بالخروج من المعسكر والذهاب الى بلده الزقازيق مارا ببلبيس فطلبت منه ان يعطى مرسال لاهلى ليطمئنهم فوجدت بالارض ورقة سجائر كتبت بها “انا محمود حموده وصلت الى ارض الوطن ارجوك ياعم فتحى ابو حمدى اعطاء الورقه الى والدى العامل بمصنع الجوت” وكان فتحى حمدى صديق والدى وكان اهلى فى انتظار ابنهما الذين لم يعلموا عنه اى شئ وكانو يكذبون على امى بانى ارسل الجوابات باستمرار ولكنها لم تصدق ،الى ان جاء الجواب الصادق المكتوب بخط يدى ووصل الى والدى واخذه جري على البيت واخذت امى تحضن الجواب وتبكى شوقا لرؤيتى وقالت انا كدا صدقت ان ابنى عايش ودا خطه فعلا وبعدها بحوالى ٥ايام نزلت الى بلدى وقابلنى اهلى واهالى القريه كامله بالزغاريت ودق الطبول وضرب النار والبكاء والاحضان على أول القريه واخذت اقبل يد امى وابكى فى احضانها واخذت امى تسهر بجابنى وماذا بك ياولدى وماذا يتعبك وكأنى كنت فى كابوس ثم استيقظت منه .