إعداد / محمود الوروارى
تحتفل الأمة الإسلامية فى مشارق الأرض ومغاربها بذكرى عطرة ذكري رحلة الإسراء والمعراج حيث أسرى بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام بمكة المكرمة إلى المسجد الأقصى بالقدس ثم عرج به إلى السماوات العلا حتى وصل إلى حد انقطعت عنده علوم الخلائق من إنس وجن وصل صلى الله عليه وسلم إلى سدرة المنتهي .
لقد تعرض رسول الله صلى الله عليه وسلم لمحن عظيمة فهذه قريش قد أغلقت الطريق فى وجه الدعوة وأصبح النبي صلى الله عليه وسلم يواجه المتاعب بعد وفاة عمه أبو طالب ،كما توفيت زوجته السيدة خديجه بنت خويلد، فذهب إلى الطائف لعله يجد قلوب مصغية ويدعوهم إلى الإسلام ،لكنهم سلطوا عليهم سفائهم وألحقوا به الأذى، حتى سال الدم من قدميه الشريفتين ولما جاءه جبريل ومعه ملك الجبال ،يطلب منه أن يطبق عليهم الأخشبين أي الجبلين، فرفض النبي قائلا( عسي أن يخرج من أصلابهم من يقول لا إله إلا الله” ،فجاءت رحلة الإسراء والمعراج بعد محنة،تكريما للنبي صل الله عليه وسلم وتطيبا لقلبه.
يقول الله عز وجل:(سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير) وأسري بعبده أي أسري بنبينا لكي يعلم البشرية بأن كل منا عبد لله ،أسري به بالبراق من المسجد الحرام بمكة إلي المسجد الأقصى بفلسطين ثم تبدأ رحلة المعراج من المسجد الأقصى إلي السماوات العلا .
إن النبي صلى الله عليه وسلم، رأى في رحلته فى السماء رجالا يزرعون يوما ويحصدون يوما، وكلما حصدوا عاد الزرع كما كان، قال: “من هؤلاء يا جبريل؟، قال هؤلاء المجاهدون في سبيل الله يخلف الله عليهم ما أنفقوا” ،ورأى صلى الله عليه وسلم رجل جمع حزمة حطب عظيمة لا يستطيع حملها وهو يزيد عليها، فقال صلى الله عليه وسلم: “ما هذا يا جبريل؟ قال جبريل: هذا الرجل من أمتك، تكون عليه أمانات الناس لا يقدر على أدائها، وهو يريد أن يحمل عليها” ،ووجد ريحاً طيبة فقال: “يا جبريل، ما هذه الرائحة؟ قال: هذه رائحة ماشطة بنت فرعون وأولادها، ورأى النبي صلى الله عليه وسلم رجالا وأقواما ترضخ رؤوسهم بالحجارة قال: “من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين تتثاقل رؤوسهم عن الصلاة” ،كما رأى النبي في رحلته، الهمّازَون اللمًّازون من أمتنا، وأقوام يُقطع من جنوبهم اللحم فيلقمون ،فيقال لأحدهم: “كُل كمَا كنت تأكل لحم أخيك”، كما رأى الذين يغتابون قوم لهم أظافر من نحاس، يخمشون بها وجوههم وصدورهم، فقال صلى الله عليه وسلم: “من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم”، ورأى النبي رجالا يأكلون لحما نتنا خبيثا، وبين أيديهم اللحم الطيب النضج، قال: “من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء رجال من أمتك تكون عند أحدهم المرأة بالحلال، فيدعها ويبيت عند امرأة خبيثة حتى يصبح، كما رأى النبي صلى الله عليه وسلم، نساءً معلقات من أثدائهن قال: “من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء اللواتي يدخلن على أزواجهن من ليس من أولادهن”.
رحلة الإسراء والمعراج بها العديد من الدروس والعبر منها العبودية الكاملة لله عزوجل “أسرى بعبده”: فكانت رحلة الإسراء بالروح والجسد “سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ” ،وكذلك مكانة المسجد الأقصى في الإسلام ،حيث توثقت علاقة الإسلام بالمسجد الأقصى عندما أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى وفيه صلى النبي إماما بالأنبياء ومنه عرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى السماء.
ومن الدروس المستفادة أن أصل الدين واحد وهو التوحيد ورسالة الأنبياء واحدة، وأنهم جميعًا إخوة، وجاءت ليلة الإسراء والمعراج لتؤكد ذلك، فوجدنا أن العبارة التي رددها الأنبياء عليهم السلام ترحيبًا بسيدنا محمد حين استقبلوه في السموات العُلا هي: “مَرْحَبًا بِالأَخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ” ،وديننا هو دين الفطرة وظهر ذلك من اختيار النبي صلى الله عليه وسلم اللبن على الخمر، وبشارة جبريل عليه السلام للنبي صلى الله عليه وسلم بقوله: هُدِيت إلى الفطرة، وانتقال النبي صلى الله عليه وسلم من مرتبة علم اليقين إلى مرتبة عين اليقين ،ومن أبرز دروس الرحلة المباركة أهمية الصلاة ومنزلتها في الإسلام ،تلك الفريضة الوحيدة التي فرضت ليلة الإسراء والمعراج في السماء السابعة، وكذلك الاستفادة من الخبرات السابقة،ويتضح لنا ذلك من خلال استجابة رسول الله لنبي الله موسى بالمراجعة في أمر الصلوات: “فأصبحت خمس فى العمل وخمسون فى الأجر… والشجاعة التى ظهرت فى مواجهته صلى الله عليه وسلم للمشركين بأمر تنكره عقولهم، فلم يمنعه من الجهر به ،أو الخوف من مواجهتهم واستهزائهم ،فضرب بذلك – صلى الله عليه وسلم لأمته أروع الأمثلة في وقوف الحق أمام الباطل وأهله، وإن كان هذا الحق غريبا عليهم ،وكذلك ظهور الصديق وقت المحن ،حيث انطلق نفرٌ منهم إلى أبي بكر رضي الله عنه يسألونه عن موقفه من الخبر ،فقال لهم: ” لئن كان قال ذلك فقد صدق….” ،ولاننسي درس التربية والتهذيب ،فلم تكن مجرد رحلة تسرية وتسلية لقلب النبي صلى الله عليه وسلم فحسب، بل كانت رحلة تربية وتهذيب .
ولكم أن تتخليوا موقف أبوجهل عندما كان فى البيت الحرم وأخبره رسول الله بحادثة الإسراء والمعراج ،فقال: أرأيت إن دعوت قومك لك لتخبرهم ..أتخبرهم بما أخبرتني به؟ قال: نعم! فقص عليهم رسول الله ﷺ خبر ما رأى، ويقول النبي “لما كذبتني قريش قمت في الحِجر فجلى الله لي بيت المقدس، فطفقت أخبرهم عن آياته وأنا أنظر إليه) رواه البخاري ،ثم سألوه عن عير لهم فَقَالَ: «أَتَيْتُ عَلَى عِيرِ بَنِي فُلَانٍ بِالرَّوْحَاءِ قَدْ أَضَلُّوا نَاقَةً لَهُمْ، وَانْطَلَقُوا فِي طَلَبِهَا، فَانْتَهَيْتُ إِلَى رِحَالِهِمْ لَيْسَ بِهَا مِنْهُمْ أَحَدٌ، وَإِذَا قَدَحُ مَاءٍ، فَشَرِبْتُ مِنْهُ، فَسَلُوهُمْ عَنْ ذَلِكَ» ،قَالُوا: هَذِهِ وَاللهِ آيَةٌ، ثم قَالَ: «ثُمَّ انْتَهَيْتُ إِلَى عِيرِ بَنِي فُلَانٍ فِي التَّنْعِيمِ، يَقْدُمُهَا جَمَلٌ أَوْرَقُ، وَهَا هِيَ ذِهِ تَطْلُعُ عَلَيْكُمْ مِنَ الثَّنِيَّةِ». فَقَالَ الوَلِيدُ بْنُ المُغِيرَةِ: سَاحِرٌ، فَانْطَلَقُوا، فَنَظَرُوا، فَوَجَدُوا الأَمْرَ كَمَا قَالَ، فَرَمَوْهُ بِالسَّحَرِ ،فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: “وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ المَلْعُونَةَ فِي القُرْآنِ.
نتعلم من الإسراء والمعراج أن النبي محمدا صلى الله عليه وسلم هو نبي القبلتين ،وإمام المشرقين والمغربين، ووارث الأنبياء قبله، وإمام الأجيال بعده، فقد التقت في شخصه وفي إسرائه مكة بالقدس، والبيت الحرام بالمسجد الأقصى، وصلى بالأنبياء خلفه، فكان هذا إيذانًا بعموم رسالته وخلود إمامته وإنسانية تعاليمه،كما نتعلم أن بعد كل محنة منحة.
قال تعالى ﴿ وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى * ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى * وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى * ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى * فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى * مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى * أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى * وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى * عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى * عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى * إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى * مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى * لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى ﴾.
نسأل الله فى هذه المناسبة المباركة أن يحفظ مصر وأهلها من شر الأمراض وشر الفتن وأن يوفقنا جميعا لمراضيه ويجنبنا مناهيه ويجعل مستقبلنا وحالنا خيرا من ماضيه.
.. اللهم أمين.
وكل عام انتم بخير.