بقلم / حمدي كسكين
عضو أتحاد كتاب مصر
الجرن يعج بالحركة والنشاط الغير عادي وصياح الجمالين الممزوج بأغاني الفلاحين وأهازيج أنفار اليومية في نقل المحصول الي الجرن ليتم دراسه ….أتذكر تلك الأيام التي كنت أشارك أسرتي نقل المحصول لجرن الوسية
الجمال مشغولة في تحميل الذرة للتقشير في الجرن
جرن الوسية واسع وفسيح يتسع لمحصول الوسية كله
كان الجرن في ذاك الزمان يمتلئ علي اخره بأصناف شتي من المحاصيل
الفول البلدي بجانب القمح ( الغلة ) وغاب الذرة للتقشير بجانب برسيم الدريس والتقاوي لزوم غيط الوسية
حركة تدب في المكان جمال وحمير وعربات كارو تقوم بنقل المحصول من غيط الوسية للجرن
جرن الوسية كان محملا بكل الخيرات كيف لا وهو مستودع الزاد والزواد ومكان الخير الوفير وشقي و تعب الموسم كله
كان موسم الحصاد يشهد حركة ونشاط غير عادي في الغيطان والصبايا وأنفار اليومية تدب أقدامهم بالحركة في الغيطان وتتعالي صيحاتهم وأغانيهم
طلعنا الجبل …..اليوحا
أنقي سبل……..اليوحا
قابلتنا صبية …..اليوحا
حلوة وبكرية……اليوحا
يا واد ياخوها…..اليوحا
متقولشي لأبوها ……اليوحا
اختك لقيوها…….اليوجا
في جرن الوسية………اليوحا
بيضا وعسلية……اليوحا
وهم يحصدون الغلة أو الفول
وتسمع الزغاريد من هنا وهناك وكأنك في مولد سيدي العبيط أو في أحد الأفراح
وما أن ينتهي موسم الحصاد إلا وننشغل في نقل المحصول لجرن الوسية كنا ننام في الجرن نتوسد بعض أغصان القمح وقش الأرز ونلتحف السماء
السماء صافية والجو صحو وتهب علينا نسمات ريح عطرة طيبة
السكون يعم المكان لا مؤنس من وحشة المكان إلا النجوم المتدلية من السماء وكأنها كائنات حية تنشر الضؤ والطمأنينة في المكان يأتي والدي بعد صلاة الفجر ليعلق النورج بعد أن يقوم بتفريد محصول الفول حتي يستطيع النورج التي تشده البهائم من دريسه والمرور فوقه يناديني والدي لأمتطي موضع دكة النورج ممسكا بحبل ولجام البقرتين في يدي ويقوم والدي بتقليب الفول وراء النورج امعانا في حسن دراسه وانا انادي بقراتي …عا عا حتي تشد البقرات النورج
كانت عملية دراسة المحصول صعبة وقاسية ومؤلمة ليست علي الفلاح وحده بل علي البهائم أيضا فقد كانت البهيمة الشغالة في ذلك الوقت ذات قيمة وغالية الثمن ويتهافت علي قنيتها الفلاحين
تأتي أمي الي الجرن بصينية فطار رمضان وجرة الماء فموسم الحصاد هذا العام جاء متزامنا مع شهر رمضان ويأتي عمي عجمي ناظر الوسية ممتطيا ظهر حماره العالي يتحسس أحوال الرعية من جموع الفلاحين المشغولين في دريس المحصول في جرن الوسيةكان ناظر الوسية يستعين ببعض البصاصين من ضعاف النفوس من الذين يعلفون البهائم في معلف الوسية كانوا ينقلون له كل صغيرة وكبيرة عمن نقل صاع أو قدح من الفول لبيته قبل موسم المحصول وكان كلام البصاصين والنضورجية مصدقا عند عمي عجمي
وما ننتهي من دراس المحصول حتي يتم قسمة المحصول بين الغلابة من الفلاحين وعمي عجمي خولي الوسية كان جرن الوسية بمثابة معسكر عمل مغلق ما أن يدخله المحصول لا يغادر المزارعين الجرن إلا بانتهاء موسم الحصاد ودراس المحصول وقسمته وتدخيل ما يخص الوسية من القسمة
كان الجرن يغط بالفلاحين وأسرهم وذراريهم الذين يساعدونهم في ضم المحصول
وتمر علي جرن الوسية المحتاجين من الغجر الذين يفدون لجرن الوسية من أجل أن يحصلوا علي ما يسد حاجتهم من فول أو ذرة القمح أو خلافه
لكن المحتاجين من أهل الوسية أو العزبة فقد كان لهم حق معلوم عند صاحب الوسية والفلاحين الذين يزرعون معه بالنصف وعيب عليهم التسول
بعد انتهاء جمع المحصول وتشوينه يأتي الغجر من كل فج عميق لتنقية الفول من أرض جرن الوسية أو لتنقية حبات الذرة أو بقية الحبوب