كتب : سعيد شاهين
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيم الحمدُ للهِ والصلاةُ والسلامُ عَلى سيدِنَا رسولِ اللهِ وآلِهِ وصحبِهِ ومنْ والاهُ، أمَّا بعدُ: فقدْ تمَّ بحمدِ اللهِ اختتامُ المؤتمرِ العالميِّ الخامسِ للأمانةِ العامَّةِ لِدُورِ وهيئاتِ الإفتاءِ في العالمِ تحتَ عُنوانِ: «الإدارةِ الحضاريةِ للخلافِ الفقهيِّ»، الَّذي انعقدَ فِي مدينةِ القاهرةِ، يومَي الخامسَ عشرَ والسادسَ عشرَ مِنْ شَهْرِ أُكتوبرَ لِسَنةِ أَلْفَيْنِ وتسعَ عشْرَةَ مِنَ الميلادِ، الموافقِ السابعَ عشرَ والثامنَ عشرَ مِنْ شهرِ صفرٍ لِسَنةِ أَلْفٍ وأَرْبَعِمِائِةٍ وواحدٍ وأربعينَ مِنَ الهجرةِ، برعايةٍ كريمةٍ مِنْ فخامةِ السيدِ الرئيسِ عبدِ الفتاحِ السيسي -رئيسِ جمهوريةِ مصرَ العربيةِ- وبحضورٍ كريمٍ مِنَ السادةِ الوزراءِ، والمُفْتِينَ والسُّفراءِ، والعلماءِ، ورجالِ الدولةِ، ورجالِ الصحافةِ والإعلامِ.
وقدْ شاركَ في أعمالِ المؤتمرِ وجلساتِه نُخبةٌ مِنَ السادةِ العلماءِ والمُفتينَ والباحثِينَ المتخصصينِ مِنْ مُخْتَلِفِ بُلْدانِ العالم، حيثُ أُثرِيَتْ جَلَسَاتُ المؤتمرِ وَوِرَشُ عَمَلِهِ وَمَشْرُوعَاتُهُ بأبحاثِهمْ ومَا دارَ حولَها مِنْ مناقشاتٍ مهمَّةٍ ومُداخلاتٍ مفيدةٍ. وَعرض المؤتمرُ في جلساتِه وأبحاثِه ونقاشاتِه وَوِرَشِ عَمَلِهِ قضيةَ الاختلافِ وما ينتجُ عنْ إدارتِه منْ نتائجَ تتفاوتُ تَبَعًا لطريقةِ التعاملِ معَه واستثمارِه للصالحِ الإنسانيِّ، وبالأخصِّ في جانبِه الفقهيِّ والإفتائيِّ، انطلاقًا من أنَّ الاختلافَ سنةٌ ربانيةٌ جعلَها اللهُ في خلقِه لِينظرَ: هلْ يُحسِنُ الناسُ إدارتَها فيتعارفوا ويتعاونوا ويتكاملوا أو يتنازعون فيفشلوا وتذهبَ ريحُهم؟ ولا عجبَ أنْ يكونَ استثمارُ الخلافِ الفقهيِّ في كافةِ عصورِه في دَعْمِ التماسُكِ الاجتماعيِّ والمشاركةِ في عملياتِ العمرانِ البشريِّ والإسهامِ في بناءِ الحضارةِ الإنسانيةِ المعاصِرةِ –
هو الرسالةَ التي تبنَّاها المؤتمرُ ودارتْ عليها محاورُه. فقدْ عُنِيَتْ مَحَاوِرُ المؤتمرِ بمعالجةِ عددٍ مِنَ الموضوعاتِ المُهِمَّةِ، وجاءتِ المحاورُ على النحوِ التالي: المحورُ الأوَّلُ: الإطارُ التنظيريُّ للإدارةِ الحضاريةِ للخلافِ الفقهيِّ.
المحورُ الثَّانِي: تاريخُ إدارةِ الخلافِ الفقهيِّ، عرضٌ ونقدٌ. المحورُ الثَّالِثُ: مراعاةُ المقاصدِ وإدارةُ الخلافِ الفقهيِّ، الإطارُ المنهجيُّ. المحورُ الرابعُ: إدارةُ الخلافِ الفقهيِّ، الواقعُ والمأمولُ.
وعَلى هامشِ جلساتِ المؤتمرِ انْعَقَدَتْ مجموعةٌ مِنْ وِرَشِ العملِ للتدريبِ والتفاعلِ حولَ ما يلي: الورشةُ الأولى: عرضُ نتائجِ المؤشرِ العالميِّ للفتوى. الورشةُ الثانيةُ: الفتوى وتكنولوجيا المعلومات.
الورشةُ الثالثةُ: آلياتُ التعاملِ مع ظاهرةِ الإسلاموفوبيا.
وقدْ رَجَوْنَا مِنَ اللهِ العليِّ القديرِ فِي مُؤْتَمَرِنَا هذا التوفيقَ لِتَحْقِيقِ أَهدافِنَا التي كانَ مِنْ بَيْنِهَا: 1.
تجديدُ النظرِ للخلافِ الفقهيِّ ليكونَ بدايةَ حلٍّ للمشكلاتِ المعاصرةِ بدلًا من أنْ يكونَ جزءًا منها. 2.
تحديدُ الأصولِ الحضاريةِ والآلياتِ المعاصرةِ للتعاملِ مع مسائلِ الخلافِ وقضاياه. 3.
تنشيطُ التعارفِ بينَ العاملينَ في المجالِ الإفتائيِّ على اختلافِ مدارسِهم العلميةِ. 4.
إعلانُ آليَّةٍ فعَّالةٍ وعمليةٍ لاستثمارِ مؤسساتِ المجتمعِ المدنيِّ الخِلافَ الفقهيَّ في مجالِ حقوقِ الإنسانِ، وكافَّةِ المجالاتِ الاجتماعيةِ والإنسانيةِ. 5.
تطويرُ طائفةٍ مِنَ الأفكارِ التي تتبنَّى إنشاءَ برامجَ إعلاميةٍ ونشاطاتٍ اجتماعيةٍ يشاركُ فيها علماءُ المذاهبِ المختلفةِ، تُرشدُ أتباعَها إلى نبذِ التعصُّبِ، وتدعمُ قضيةَ التسامحِ الفقهيِّ. وقدْ وفَّقنا اللهُ تعالى في مؤتمرنا هذا إلى إطلاقِ عددٍ مِنَ المبادراتِ المهمةِ التي تُعدُّ نُقلةً نوعيةً في سياقِ الإدارةِ الحضاريةِ للخلافِ الفقهيِّ بصفةٍ خاصةٍ، وفي مجالِ الإفتاءِ بصفةٍ عامةٍ، وهي: 1.
إعلانُ وثيقةِ “التسامحِ الفقهيِّ والإفتائيِّ” لتكونَ أوَّلَ وثيقةٍ تُنظِّمُ أمرَ الاختلافِ الفقهيِّ وتدعمُ التسامحَ وتَنبِذُ التعصبَ، ويتَّفقُ عليها المعنيُّونَ بأمرِ الإفتاءِ. 2.
إعلانُ اليومِ العالميِّ للإفتاءِ. 3.
إعلانُ جائزةِ الإمامِ القرافيِّ للتميزِ الإفتائيِّ. 4.
إصدارُ طائفةٍ مِنَ الكتبِ والموسوعاتِ الإفتائيةِ المطبوعةِ والحاسوبيةِ التي تدعمُ التميزَ المؤسسيَّ لدورِ وهيئاتِ الإفتاءِ والنهوضَ بالدراساتِ الإفتائيةِ؛ ومنها: إدارةُ الجودةِ في المؤسساتِ الإفتائيةِ، وإدارةُ المواردِ البشريةِ في المؤسساتِ الإفتائيةِ، وموسوعةُ علومِ الفتوى باللغةِ الإنجليزيةِ، وعرضٌ تفصيليٌّ لخرائطَ ذهنيةٍ لمدونةِ السلوكِ الإفتائيِّ. هذا، وقدْ خرجَ المؤتَمرُ في ختامِه بمجموعةٍ مِنَ التوصياتِ والقراراتِ المهمَّةِ التي خَلَصَ إليها من خلالِ اقتراحاتِ السادةِ المشاركينَ مِنَ العلماءِ والباحثينَ، وقدْ جاءتِ التَّوصِيَاتُ بِمَا يلي: أولًا: يُثَمِّنُ المُؤتَمَرُ جهودَ الأمانةِ العامةِ لِدُورِ وهيئاتِ الإفتاءِ للنهوضِ بالإدارِة الحضاريةِ للخلافِ الفقهيِّ والإفتائيِّ، ويُقَدِّرُ سبقَها لجمعِ كلمةِ المعنيِّينَ بالإفتاءِ في العالمِ لترشيدِ هذا الخلافِ واستثمارِه.
ثانيًا: يدعمُ المؤتمرُ –بقوةٍ- ما صدرَ عنه مِن مبادراتٍ فعَّالةٍ بتخصيصِ يومٍ عالميٍّ للإفتاءِ، وتخصيصِ جائزةِ الإمامِ القرافيِّ للتميزِ الإفتائيِّ، وإصدارِ وثيقةِ التسامحِ الفقهيِّ والإفتائيِّ، ويدعو جميعَ الأطرافِ المعنيةِ إلى الالتزامِ بها وتفعيلِها على كافةِ الجهاتِ.
ثالثًا: يؤكدُ المؤتمرون على اختلافِ مذاهبِهم وبلدانِهم على أن الاختلافَ الإنسانيَّ قَدَرٌ وسنةٌ حضاريةٌ، وأن محاولةَ إنكارِه إنكارٌ للإرادةِ الإلهيةِ في الخلقِ {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَ