بقلم -محمود الوروارى
عرف المؤرخون التاريخ بأنه علم يدرس المسيرة الحضارية لبني البشر بموضوعية وحيادية تامة بعيدا عن النزعات والتزييف،ولكن دائما يتردد لدى الجميع سؤال محير..ماذا نفعل تجاه كتاب التاريخ من العلمانيين والماركسيين من حجب جوانب القوة وإظهار جوانب الضعف ومحاولة إثبات أن التاريخ الإسلامي ما هو إلا سلسلة من الصراعات والنزاعات من أجل المناصب والكراسي؟؟؟
والدليل ما نراه دائما فى المفاهيم التاريخية،فنجد مثلا مصطلح الغزو تارة ومصطلح الفتح تارة أخري،فأحيانا نقول الغزو العثماني وأحيانا نقول الفتح،واختلف البعض فى هذا الشأن،فإذا أجزمنا بأنه فتح فسنري رأيا يقول بأن المماليك والعثمانين يتبعون المنهج السني الوسطي فكيف يسمى ذلك فتحا؟وإذا قلنا غزوا فهل يعقل غزو دولة مسلمة لدولة مسلمة أخري تعتنق نفس المذهب وتقتل حاكمها طومان باى؟؟؟،كذلك ما فعله المسلمون الذين طردوا من شبه الجزيره الأيبيرية ( الأندلس) إلى أفريقيا ،حيث قاموا بالجهاد البحرى الإسلامى ضد البرتغاليون والأسبان فى البحر(جهاد خير الدين برباروسا فى الشمال الأفريقى ردا على اعتداء القوى المسيحية على المسلمين فى أسبانيا ( محاكم التفتيش التى نصبت للموريسكيين)، فى حين نري بعض المستشرقين وبعض الكتاب يطلقون عليهم قراصنة البحر( قرصنة البربر المسلمون ضد سواحل أو سفن الدول الأوربية،وهناك أيضا خلاف مازال قائما بين المؤرخين حول مسمى الخليج هل هو الخليج العربي أم الخليج الفارسي ،حيث أطلق عليه قديما خليج البصرة والبحر الارثيري …الخ؟،ومن قبل فتح المسلمون للأندلس ( أسبانيا والبرتغال) وفتح العرب لمصر وما قاله يوحنا النقيوس عن غزو العرب لمصر ؟؟وكذلك إدعاء الصهاينه بأن لهم حقوق فى القدس مع العلم أن القدس عربية إسلامية منذ فجر التاريخ،والحروب الصليبية فى العصور الوسطى التى كانت بمثابة حرب على الأخر لنهب ثروات البلاد والتخلص من وطأة النظام الإقطاعى باسم الدين،وما قام به أسلافهم فى العصر الحديث فيما يسمى بالتوسع الإمبريالى تحت شعار الحرية وحقوق الإنسان.
وبحكم دراستنا لعلم التاريخ نرى أن أطلاق مصطلح الغزو أو الفتح يتوقف على حال الدولة التى تعرضت للفتح أو الغزو من قبل ومن بعد،فإذا كانت هذه الدولة تفتقر للمقومات الحضارية وضياع الثقافة وانتشار الجهل وأنهيار الإقتصاد ثم جاءت دولة أخرى واستطاعت إحداث طفرة فى كافة مظاهر الحضارة من زراعة وصناعة وتجارة وشتي جوانب المعرفة والجوانب الإجتماعية كالعادات والتقاليد ودون المساس بأرواح وثروات تلك البلاد والنواحى الإقتصادية….الخ .
من هنا يمكن القول بأن ذلك فتحا كما فعل المسلمون فى فتوحاتهم،إما إذا كانت الدولة فى مرحلة القوة والأزدهار ثم جاءت دولة أخرى وأغارت عليها واستولت على مواردها الطبيعية والبشرية فهذا لا يسمي فتحا بل غزوا،وما فعله سليم الأول العثمانى بمصر بعد موقعة الريدانية من بطش وظلم وفساد ونقل أرباب الحرف الي اسطنبول يعد غزوا.
ولا ننسى جملة سليم العثمانى الشهيرة ” غدا أدخل مصر فأحرق بيوتها وألعب بالسيف فى أهلها” ومن فظائع العثمانين فى مصر شنق السلطان طومان باى على باب زويله ومداهمة مسجد المؤيد والجامع الأزهر ومسجد ابن طولون وضريح السيده نفيسه وداسوا قبرها ومن يقع فى الأسر يقتل وتلقى جثته فى النيل كما ذكرت المصادر التاريخية (أبن إياس فى وقائع الزهور فى وقائع الدهور )،وقد قال المؤرخ المصري المعاصر محمد عبدالله عنان ” مصر لم تعرف أتعس من الحكم العثمانى وسمى ذلك غزوا”،ولكن غالبا ما يدون المنتصر والأقوي التاريخ على هواه …من هنا قال الفيلسوف الفرنسي فولتير مقولته الشهيرة إذا أردت أن تتحدث معى فحدد مصطلحاتك” .
نحن الأن بحاجة لإعادة قراءة التاريخ بموضوعية وشفافية وحيادية تامة بعيدا عن أي نزعة لتصحيح المفاهيم،فالتاريخ الصحيح تعاد قرأته والتاريخ المزيف تعاد كتابته”.
لمزيد من المعلومات : الرجوع الى المصادر والمراجع
ابن إياس : بدائع الزهور فى وقائع الدهور ج 3،4،5
رأفت الشيخ ( دكتور ) : دراسات أفريقية فى التاريخ الحديث والمعاصر
محمد عفيفى ( دكتور ) : عرب عثمانيون رؤي مغايرة .
وللحديث بقية،