بقلم تحية محمد
العيلة زمان كانت أقوى ضمان ضد الانحراف والأمراض النفسية التي تصيب أولادنا في العصر الحديث نتيجة ثورة التكنولوجيا وعصر العولمة الذي اختلطت فيه الأمور وانقلبت إلى حد السكين فجزت الأصول وبعدت الأهل رغم أنهم في بيت واحد وأحياناً يتقاسمون غرفة واحدة.
اختلفت طبيعة الحياة ، زحام ومسئوليات وأحلام تتدافع في العقول ومعها لا وقت إلا للاجتهاد والانغماس بين رحى العمل والطموح، وفي خضم ذلك المعترك يحول البيت إلى جزر بعضها تنأى عن بعض وأخرى تتجاور مكاناً لكنها تتباعد روحاً، ويبقى شمل العائلة تائهاً يبغي سبيلاً للاجتماع بعد فراق مديد أثمرته تفاصيل الحياة العصرية ويطول الانتظار حتى تأتي مناسبة فيجتمعوا لساعات فقط وفي المآتم لأيام ثلاثة وينفض الجميع ويزيد الفراق.
لمة العيلة هناك المحافظين عليها وهناك المسربين لهذه العادة الاجتماعية واقتصارها فقط على مناسبات بعضها حزينة وأخرى سعيدة، ونبصر أحوال الناس بين مجتهد في استعادة تفاصيل تلك اللمة وبين مستسلم لضياعها بسبب تفاصيل الحياة التي لا تترك مجالاً إلا للعمل والكد من أجل الرزق ومستقبل الأولاد.
لقد أخذتنا مشاغل الحياة الكثيرة من لمة العيلة، لكنها ما زالت تعصف بقلوبنا أحياناً تذكرنا بأيام الطفولة الجميلة واجتماع الأهل جميعهم الأعمام والعمات والأخوال والخالات لدى الجد والجدة، نذكر تلك المشاكسات والمشاكل التي اقترفناها بلا قصد، ونذكر اجتماعنا في الأفراح وسعادتنا التي كانت تغمر قلوبنا يوم اللقاء الأسبوعي في بيت أجدادنا حيث نتبادل الأخبار ونتعمق في التفاصيل فتحلو بها ساعات السمر وتسرقنا ساعات السهر تحت ضياء بدر القمر، البعض يحاول أن يستعيد بهجة تلك اللمة فيخطط وينظم، أحياناً تنجح مخططاته وفي أحيان أخرى تفشل والسبب تفاصيل الحياة العصرية التي تكدر أجواء الحياة الاجتماعية.
تقول فتاة أنا أنتمي لعائلتي وأعيش على ذكريات الأجداد والآباء، أعشق اللمة وأجواء الترابط الأسري لكني لا أجدها دائماً شاخصة أمام بصري أحياناً تغيبني تفاصيل الحياة الدقيقة، العمل والانشغال بالأعباء المنزلية وهموم الحياة التي لا تنتهي، لكني أجتهد في إحيائها على الأقل مرة في الأسبوع، بالتخطيط المسبق، أخطط لاجتماع أشقائي المتزوجين وزوجاتهم وأبنائهم في بيت والدتي، ولا يقتصر هذا الاجتماع على تقديم أصناف محببة لهم من الطعام بل يتضمنه ألعاب للأطفال نشاركهم فيها مثل المسابقات الترفيهية سواء في القرآن الكريم أو في المناهج الدراسية والمعلومات العامة، بدلاً من اللعب العشوائي الذي غالباً يترك آثاراً سلبية نتيجة الصدامات بين الأطفال ،والاجتماع يقوي العلاقات بين الأشقاء ويدعم علاقات الأطفال ببعضهم فيشبوا على ذات الخطى ويبقى الترابط بينهم مهما باعدت بينهم مشاغل الدنيا وهمومها. وتضيف فتاة أخرى أنها أحياناً تنجح في تحقيق هذا الاجتماع الذي تغمره مشاعر الود والتراحم وأحياناً يتعذر عليها ذلك في ظل انشغال أحد الأشقاء واعتذاره عن الحضور بسبب العمل ، مؤكدة أن سعادتها الكبيرة حين ينجح اللقاء ويتكرر أسبوعاً تلو أسبوع بلا انقطاع.وليس بالمناسبات فقط.
وتحدثت فتاةعن تفاصيل لمة العيلة بنبرة تمازجت بين الألم والشوق لإعادتها تماماً كذكريات الزمن الجميل، تقول أن اجتماع العيلة بعد أن رحل الأجداد والآباء اقتصر على المناسبات فقط الحزينة والسعيدة ولساعات فقط ومن ثم ينفض الجميع إلى أعماله وأشغاله ويندس بين همومه وأوجاعه التي تثقل كاهله، مشيرة إلى أن أكثر اجتماعات عائلتها تكون في شهر رمضان والأعياد فيتبادلون الزيارات ويجتمعون على مائدة الإفطار وأحياناً يستمر بهم حال الوئام لاستكمال حلقة سمر حتى السحور وتكون ذلك مرة أو مرتين في الشهر، وليس كما كان في زمن والديها وأجدادها فلا يمر يوم دون الاجتماع في كنف الجدة يستمعون إلى أحاديثها يأخذون العبرة والعظة لتعينهم على تسوية أمورهم ومشاكلهم في إطار ودي بعيداً عن المشاحنات التي تنهي العلاقات الإنسانية وتوصد أبواب القلوب، وتعلل أسباب ذلك أن الحياة العصرية ومتطلباتها الكثيرة تقضي على أوقات الفراغ وإن وجدت فيستبدل عن لمة العيلة بالانغماس بين أيقونات الشات وصفحات المواقع الإلكترونية على الانترنت أو حتى بين شاشات الفضائية .
ومن هنا نرى ان أهمية العائلة واحتضانها لأفرادها في بوتقة الحب والسعادة والأمل أكد على أن العائلة تحقق للإنسان احتياجات نفسية ،وهي الحماية من مصائب المستقبل بالإضافة إلى العزوة والانتماء والأمان بشتى أنواعه الأماني النفسي والاجتماعي والعاطفي أيضاً فترويها بحبها وحنانها فلا يبحث عن منفذ يفرغ فيه مشاعره المكبوتة يفرغها بعلاقته مع أشقائه وأهله، ونضيف أن لمة العيلة لها الكثير من الفوائد فعلى سبيل المثال لا الحصر قد تجد الفتيات في العائلة واللاتي مشى من أمامهن قطار العمر والزواج معاً شريكاً لحياتهم فربما لو ظلت العائلات على ذات نهج الآباء والأجداد في الاجتماع لدى رب العائلة الكبيرة لتعارف الجميع في حدود العادات والتقاليد الاجتماعية وربما توافقت قلوب واجتمعت على الخير تستكمل مشوار حياة.