بقلم فضيلة الشيخ مجدي بدران وكيل وزارة الأوقاف بالشرقية
إتفق علماء النّفس على أن من أخطر الأمراض التي شهدها إنسان عصرنا، مرض القلق، والوحدة والاضطراب، والهلع… فيحس صاحبه أن الدنيا مقفلة عليه، وقالوا إنّ لهذا المرض إذا استفحل آثارًا عضوية تظهر على جسم الإنسان، كما تظهر في حركاته، وتصرفاته، منها سرعة نبضات القلب، والتخبط في الحركة والمشي. واستمرت جهودهم لكشف علاج ناجع، إلى أن انتهى المنصفون إلى أن العلاج الأمثل هو اللجوء إلى الدين، يقول الدكتور فرانك لوباخ العالم الألماني: “مهما بلغ شعورك بوحدة نفسك، وقلقك، فآعلم أنك لست بمفردك أبدًا، فإذا كنت على جانب من الطريق، فَسِرْ وأنت على يقين من أنّ الله يسير على الجانب الآخر”. هذه النتيجة التي وصل إليها بعض العلماء في عصرنا، تجعل المؤمن يزداد إيمانًا مع إيمانه لأن القرآن الكريم نطق بها، وقدمها للبشرية منذ عهد الرسول ﷺ، يقول تعالى: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ ۖ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ ۚ كَذَٰلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ} [ الأنعام:125]، فالإنسان الذي يبتعد عن الله، ولا يؤمن بعالم الغيب بدعوى تطور العصر وتقدم العلوم، لا يعرف إلا المعيشة الضنك، وما نلحظه في حياة بعض أفراد مجتمعنا من مظاهر الحزن الدائم، والكآبة المستمرة، وضيق الصدر، والضيق بالناس، وبالنفس، وبالحياة، والسخط، والغضب، والانقباض، والتشاؤم، وما إلى ذلك من عوامل اليأس والقنوط… هي تأكيد على ضعف الرباط الديني، وسوء الظن بالله، والانصراف عن هديه، وإلا كيف يشعر بالقلق من قرأ و تدبر قوله تعالى: {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ ۚ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة:115] وقوله تعالى: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [ الحديد:4]، فقد تصيب المؤمن الكآبة، وقد يعتريه الخوف، ويشعر بالضيق، ولكنها كآبة ظرفية، وحزن عارض، وضيق موقوت سرعان ما تنقشع، إذا هبت ريح الإيمان التي تجعله متيقنًا أن تدبير الله أفضل من تدبيره لنفسه، ورحمته تعالى به أعظم من رحمة أبويه به. ينظر في الآفاق فيرى آثار بره تعالى، فيناجي ربه {بِيَدِكَ الْخَيْرُ ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [آل عمران:26]، فالخير بيديه، والشر ليس إليه، وما قد نظنه شرًا في الوجود ليس هو شرًا في الحقيقة يقول تعالى: {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَ عَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} [البقرة:216]. أيّها المؤمنون الكرام إن من أهم أسباب السكينة و الراحة النفسية، شعور المؤمن بنعمة الله عليه يقول تعالى: {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ} [ النحل:53]، فإذا تمَّ له أمر على ما كان يبغي ويريد، حمد الله الذي بنعمته تَتِمُّ الصالحات. وإذا خاب له رجاء، أو حدث له ما يكره بطبيعته البشرية، حمد الله على كل حال… لأنه تعلم من رسول الله ﷺ: «من أصبح آمنا في سربه، معافى في بدنه، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها» (البخاري). ولا عجب أن كانت أول آية في كتاب الله الخالد بعد البسملة، آية تشعر المؤمنين أبدًا بنعمة الله وإحسانه، وتوجههم إلى حمده وشكره {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالمَينَ}، ولا غرو أن جعل الإسلام تلاوتها فريضة يومية، يكررها المسلم ما لا يقل عن سبع عشرة مرة في صلواته الخمس. أيّها المؤمنون الكرام إن خلاص البشرية من كل أمراضها، وأمنَها من كل خوف، واطمئنانَها من كلّ روع لا يتحقق إلا إذا أقامت بنيانها على أساس جامع، أعني به أن الكلَّ من الله، وأن الكل ينتهي إلى الله {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ} [ البقرة:156]، وأن الإنسان بين البداية و النهاية يراقب الله ويذكره في كل آن.