شارك سامح شكرى، وزير الخارجية، اليوم السبت، فى الجلسة الطارئة، التى عقدتها جامعة الدول العربية، على المستوى الوزارة، للتباحث حول القرار الأمريكى الأخير، باعتبار القدس عاصمة لإسرائيل، واعتزام الولايات المتحدة نقل سفارتها من تل أبيب إلى القدس.
وجاءت نص كلمة وزير الخارجية كالتالى:
ينعقد اجتماعنا اليوم فى ظروف طارئة ومتأزمة، ومنعطف شديد الدقة فى تاريخ القضية الفلسطينية، لنبحث سويًا كيفية التعامل مع التطورات الأخيرة، المتعلقة بالقدس الشريف أولى القبلتين وثالث الحرمين.
يتوجب علينا فى هذه اللحظة التاريخية الفارقة، أن نقف دفاعًا، ليس فقط عن الحق الفلسطينى المهدر منذ عقود، بل أيضًا عن حقوق الملايين، الذين تتعلق أفئدتهم بالمقدسات الإسلامية والمسيحية، فى القدس الشريف.
ودعونى أخاطب اليوم، ضمير المجتمع الدولى الذى أضاع العقد وراء الآخر، وهو يشاهد الحقوق الفلسطينية الموثقة، بموجب قرارات الشرعية الدولية، كما تعكسها قرارات الأمم المتحدة تذهب أدراج الرياح، مع غياب أفق حقيقى للعملية السلمية، لاستعادة حقوق شعب يبتلعها الاستيطان الاسرائيلى عامًا بعد الآخر، ويقف المجتمع الدولى عاجزًا عن إنفاذ الشرعية الدولية، فى قضية عمرها جاوز السبعة عقود، هى عمر الأمم المتحدة ذاتها.
ولعل التحول المؤسف الذى تابعناه، فى موقف الولايات المتحدة الأمريكية بالنسبة لمدينة القدس، بعد اعترافها بشكلٍ أُحادى ومنافٍ للقانون الدولى، ولقرارات مجلس الأمن بالقدس، كعاصمة لدولة إسرائيل، جرس إنذار أخير للمجتمع الدولى بأسره وللعرب والمسلمين، بأن الوضع الملتهب فى فلسطين، يضع المنطقة بأسرها على حافة الانفجار.
وهى أبعد ما تكون عن الحاجة للمزيد من المخاطر والاضطرابات، وأن غضب الشعب الفلسطينى، الذى تفجر بالأمس لأكبر دليل على تلك المخاطر.
ومن ثم يثار التساؤل، أى خيارات يتيحها العالم لشعب يرزح تحت الاحتلال طيلة عقود، سوى أن ينتفض دفاعًا عن حقوقه المشروعة ومقدساته، وأى رد فعل يتوقعه المجتمع الدولى إزاء قضية حساسة مثل القدس، تهم الملايين من العرب والمسلمين والمسيحيين، فى كل أنحاء العالم فى إطار خصوصيتها الروحية، وهل يجب علينا جميعا، أن نقف شاهدين على الأبرياء الفلسطينيين، يبذلون دماءهم من جديد، قبل أن يحرك المجتمع الدولى ساكنًا.
ولا يخفى علينا جميعًا، الخطر الكامن فى محاولة استغلال الإرهابيين والمتطرفين، للتطورات الراهنة، لتبرير جرائمهم واستقطاب التأييد لمنهج الشر، الذى يطلقونه على أرضية محاولة احتضان تفجر هذه القضية، وأن تدفع المنطقة بل والعالم بأسره تبعات مثل ذلك القرار.
ومن هذا المنطلق، لم تأل مصر جهدًا للحيلولة دون صدور ذلك القرار، فقد تواصل الرئيس عبد الفتاح السيسى، مع نظيره الأمريكى، لإيضاح التداعيات شديدة الخطورة، لذلك القرار ومغبته، ولكن ذلك المسعى لم يلق تجاوبًا، ولقد سبق وأن دعا الرئيس فى مناسبات عديدة، وآخرها خلال كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، فى سبتمبر الماضى، لإزالة جدار الكراهية، وإقامة السلام العادل والشامل، فلم تلق تلك الجهود والدعوات التعاون الكافى، والاستجابة اللازمة من الأطراف المعنية والدولية المؤثرة.
وتستنكر مصر مجددًا، ذلك القرار الأمريكى الأحادى المخالف للشرعية الدولية، وترفض الاعتراف جملة وتفصيلًا بأية آثار قانونية مترتبة عليه، فقضية القدس إحدى قضايا الوضع النهائى، لتسوية القضية الفلسطينية سلميًا عبر التفاوض بين الجانبين الفلسطينى والإسرائيلى، وهو أمر لا جدال فيه، كما تؤكد أن القرار يلقى بظلال وخيمة على مستقبل عملية السلام، بعد أن ازدادت مصاعب تنشيطها واحيائها، لما فى صالح الشعبين الفلسطينى والإسرائيلى، كى يعيشا فى دولتين متجاورتين فى سلام، فهذا حق لهما كسائر الشعوب.
ويتعين فى تلك اللحظة الفارقة، ونحن نتمسك بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطينى، وغير القابلة للتصرف، فى إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، أن نضع المجتمع الدولى أمام مسئولياته الأخلاقية إزاء شعب يناضل لنيل حقوقه المشروعة، فتصادر أراضيه، وتهدم منازله، وتنتهك حقوقه الأساسية، فى العيش الكريم، أين دعوات إعلاء حقوق الانسان إزاء ملايين الفلسطينيين المحرومين، من أبسط حقوق الإنسان، وهم يرزحون تحت الإحتلال وتنتهك مقدساتهم، وسط صمت من مجتمع دولى، يتشدق بالدفاع عن حقوق الإنسان، فيما يبدو فى كل مكان عدا عندما يرتبط الأمر بالحقوق الفلسطينية، وكأن الفلسطينيين هم الوحيدون، الذين لا يلقون ذات الإهتمام، ممن ينصبون أنفسهم رعاة لحقوق الانسان، بل يتنصلون بدعاوى تجنب التسييس، بينما الأمر فى أساسه مسيس.
أين الضمير العالمى، إزاء الحقوق القانونية والسياسية للشعب الفلسطينى، فعلى المجتمع الدولى بأسره مسئولية ايجاد السبل الكفيلة بإنقاذ حل الدولتين، ولعل الاجماع الدولى الواضح، الذى عكسه اجتماع مجلس الأمن أمس، من تمسك برفض القرار الأمريكى والتحذير من مغبته، ما يوفر لنا كدول عربية أساسًا كافيًا، لتدارس كافة السبل الرامية، إلى مواجهة الآثار السلبية لذلك القرار، والحفاظ بكل السبل على حقوق الشعب الفلسطينى المشروعة.
أصحاب المعالى والسعادة، إن إرتكان إسرائيل إلى استخدام القوة، لفرض الأمر الواقع، بهدف تغيير الحقائق على الأرض فى القدس يُعد من الإجراءات الأحادية غير القانونية، التى لا تُرتب أى أثر قانونى، لتعارضها مع القانون الدولى وقرارات الشرعية الدولية، لا سيما قرار الجمعية العامة رقم 181 لعام 1947، الذى نص على أن مدينة القدس هى “كيان منفصل” يخضع لنظام دولى خاص.
كما يتعارض مع قرارات مجلس الأمن أرقام 242 لعام 1967 و252 لعام 1968 و338 لعام 1973، التى لم تعترف بأية إجراءات تتعلق بضم إسرائيل لأراضى الغير بالقوة العسكرية، لتعارضها مع ميثاق الأمم المتحدة، الذى لا يُجيز ضم الأراضى بالقوة المسلحة، فضلًا عن مخالفتها لنص قرارى مجلس الأمن الدولى رقمل 476 و478 لعام 1980، اللذين لم يعترفا بأية إجراءات من شأنها تغيير الوضع القائم فل مدينة القدس، وأجمعا على رفض كافة القوانين الإسرائيلية، التى تهدف إلى ضم المدينة، واعتبارها عاصمة لإسرائيل، وقد جاء قرار مجلس الأمن 2334 لعام 2016، ليؤكد مجددًا وبلغة قانونية واضحة، لا لبس فيها، على إدانة كافة الإجراءات الرامية، لتغيير الوضع الديموجرافى والجغرافى، للأراضى الفلسطينية المحتلة عام 1967، ومن بينها القدس الشرقية.
أصحاب المعالى والسعادة، إن مصر فى طليعة من دافع عن حقوق الفلسطينيين المشروعة منذ عام 1948، وأكثر من نادى بالسلام العادل والشامل، فى كل المحافل الدولية، لإنها تراه حقًا للشعوب وواجبًا أخلاقيًا على المجتمع الدولى، أن يفى به، إذ لم يعد ممكنًا ولا مقبولًا استمرار التغاضى عن حق الشعب الفلسطينى، فى إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، فلم تُعد تلك المنطقة من العالم، بحاجة للمزيد من الحروب، والمزيد من الإرهاب والمزيد من الضحايا الأبرياء، لا سيما وأن خيار العرب الاستراتيجى هو السلام العادل والشامل، الذى يستند على أحكام القانون الدولى، وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، كما تجسد فى مبادرة السلام العربية المطروحة منذ عام 2002، المبنية على مبدأ الأرض مقابل السلام، الذى أرساه مؤتمر مدريد للسلام عام 1991، ورؤية حل الدولتين لشعبين يعيشان جنبًا إلى جنب في سلامٍ وأمانٍ، والتي اعتمدها مجلس الأمن فى قراره رقم 1515 لعام 2003.
إن مصر، لن ولم تأل جهدًا لدعم القضية الفلسطينية، فى كافة المحافل الإقليمية والدولية، وستقف مصر بكل صلابة، فى مختلف المحافل الإقليمية والدولية، مدافعةً عن الحق الفلسطينى، والحفاظ على وضعية القدس الشريف، والحقوق الفلسطينية فيه، ومؤكدةً على مركزية القضية الفلسطينية، فى سياستها الخارجية، إيمانًا منها بأن السلام القائم على الحق والعدل، هو المدخل الحقيقى لتحقيق الاستقرار والأمن، لجميع شعوب منطقة الشرق الأوسط، بل والعالم أجمع.