بقلم / محمود الوروارى
عادة يلجأ الناس فى مجتمعنا لفض الخلافات والمنازعات التى تحدث بينهم عبر “جلسة القضاء العرفي” دون اللجوء لتحرير محاضر بمراكز الشرطة والمحاكم،ونقر هذا النوع من التقاضى إنطلاقا من مبادئ ديننا الحنيف ولمساهمته فى حل العديد من المشاكل.
ومع إيماننا الشديد بأهمية تلك الجلسات ودورها فى إنهاء العديد من المنازعات بين الأهالى عبر رجال لا يخشون فى الله لومة لائم..رجال درسوا فقه المواريث وأسس التقاضى وفض المنازعات مع الميل فى النهاية للإصلاح بين الناس بحكم رسالتهم السامية” لا خير فى كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس”،إلا أن بعض الأمور الأن قد تغيرت وأصبح كل من يرتدى جلبابا فضفاضا وعباءة ملونه ويحرص على حضور مراسم العزاء فى كل مكان ينصب نفسه قاض عرفي دون أن يمتلك أى مقومات تعينه على تلك المهمة الشاقة سواء الفصاحة والبلاغة أو خلفيته بأمور الدين والتقاضى ،بل والأعجب أنه يدشن صفحة على مواقع التواصل الإجتماعى ” فلان ..قاض عرفى …تواصل معنا على رقم الهاتف”، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد ،بل يطلق الزبانية والمرجفون للدعاية المزيفة له فى القرى والنجوع لإستغلال الجهلاء والإدعاء بأن سيدهم أعطى بسطة فى العلم والفصاحة والسفسطة لجلب الحقوق،ولكن عفوا أقول..أعطى المقدرة على قلب الموازين رأسا على عقب وإعلاء الباطل وإشاعة الظلم،وسرعان ما يتفق الزبانية مع صاحب المشكلة على أجر حضور سيدهم …أه والله أجر مقابل حضوره القضية للدفاع سواء حق أو باطل …المهم الأجره، وعقب الإتفاق يتم دفع ما يسمى ” عربون ” وفور قلب الأمور وضياع الحقوق يتقاضى بقية المبلغ ،وهناك نسبة فى هذا الأجر للزبانية الذين يروجون له.
وعن إجراءات التقاضى ،فحدث ولا حرج،ففور علم ما يسمى بالقاضى العرفى بتفاصيل القضية ،وأن وكيله مخطئ وعليه الحق ،يسعى لحيله الماكره مع الخصوم والتى تتمثل فى الأتى ” ربط النزاع القديم بالنزاع الجديد…وإحضار شهود لا علاقة لهم بالأمر للإلتفاف على القضية وإفشالها..مطالبة وكيلة بالوقوف قبل البدء فى القضية بالإعتذار للخصم وتقبيل رأسه ، وفور ذلك يعلن بأن نصف الحق قد سقط ” ولم أجد دليلا لذلك على سقوط حق ،فمن أين أتى هذا الجاهل ببند سقوط نصف الحق؟ ،كما أن الجلسة للتقاضى وليس للصلح ،ومع ميلى دائما للصلح ” والصلح خير ” وذلك حفاظا على القرابة وحقوق الجار وأبناء الوطن الواحد وتصفية نفوسهم من الشحناء فإنه لا يتم اللجوء للتقاضى إلا بعد الفشل فى الإصلاح بينهما،وليعلم الجميع أنه ما تجرأ أحد على أحد إلا بسبب الإستهانة بحقوق الناس وضياعها فى الجلسات العرفية بسبب هواه تصدروا المشهد على جهل وقلبوا موازين الحق لمن يدفع أكثر،لأنه من أمن العقاب أساء الأدب ،فترى الشخص يتوعد جاره بالإساءة ويستعين بأولاده لينالوا منه وذلك إستنادا لقاض جاهل يدفع له مبلغا من المال وعلى أمل بأنه سيقول كلمة فى الجلسة ” أنا غلطان ” فيقوم قاضيه بقلب القضية على صاحب الحق تحت شعار ” الرجل اعترف بخطئه …ويردد “وليعفوا وليصفحوا.. “ويضيع الحق وتنتهى القضية بنصرة المعتدى ،وسرعان ما تعود الكره مرة أخرى وتوضع إيصالات الأمانة الموقع عليها من قبل الطرفين لضبط النفس وفض المنازعات عند الأمين فنراه يخون الأمانة ويعطى الإيصال للخصم عن طريق المجاملة،والذى يقوم على الفور بإعادة الكرة وهناك أمثلة واقعية لذلك لا يسعنا الوقت لسردها.
رسالة لكل من نصب نفسه قاضِ عرفى: تعلم ثم تكلم ..وإتق الله وقل الحق بعيدا عن التزييف أو المجاملة ولا تميل للباطل وظلم الناس من أجل عرض زائل، وعليكم بقراءة حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم “القضاة ثلاثةٌ قاضيانِ في النارِ وقاضٍ في الجنةِ فأما الذي في الجنةِ فرجلٌ عرفَ الحقّ فقضَى بهِ فهو فِي الجنةِ ورجلٌ عرفَ الحقَ فلم يقضِ به وجارَ في الحُكمِ فهو في النارِ ورجل لم يَعرِفِ الحق فقضَى للناسِ على جهلٍ فهو للنار”،وأذكركم بقول الله “ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه أثم قلبه”.
رؤية…
من وجهة نظرى ..نقترح إشراف وإدارة علماء الأزهر لجلسات القضاء العرفي بحكم فهمهم لكتاب الله وسنة رسوله ومعرفتهم بمصادر التشريع وعدم ترك الساحة للهواه والرويبضة .
وأخيرا أقول : رسالتى عامة بإعتبارها نصيحة للكل ولا أقصد بها أحد بعينه ،وربما قصدت تسليط الضوء على موضوع يخص المجتمع ككل ” القضاء العرفي” وما تعرض له مؤخرا من وجود دخلاء أساءوا التصرف،ونكن للجميع كل تقدير وإحترام.
نسأل الله أن يوفقنا جميعا لمراضيه ويجنبنا مناهيه ويجعل مستقبلنا وحالنا خيرا من ماضيه وأن يحفظ مصر وأهلها وقادتها من كل مكروه وسوء…اللهم أمين