سأمت تقليد اللص الشريف “روبن هود” خاصةً بعد ان علمت ان من أسرقه ما كان يتيه بثرائه بل انني فهمت خطاً كنت قد بدأت سرقة أبي وإعطاء اشقائي بعد ان قرأت ما كان يفعله روبن هود فأعجبت به وببطولاته ..
لكنني اكتشفت ان هذه النقود ذاتها التي استولي عليها هي التي يجلب بها والدى لنا الطعام والملابس وبالتالي فانا اضر بالأسرة ولا انفعها ، استغرقت هذه الأيام في قراءة كتب الرحلات حتي تولدت عندي رغبة في الترحال احتدمت مع قراءتي للأسطورة المصرية القديمة ” الملاح الغريق ” الذى تعلق بعد غرق سفينته بلوح خشبي حط به علي جزيرة نائية الفي عليها العجائب ثم عاد ليروي للملك ما رأي مستخدماً بلاغته ..
ثم ازدادت حين طالعت قصة الكاتب الإنجليزي “دانيال ديفو” واسمها ” روبنسون كروزو ” وهي تحكي أيضاً عن بحار انجليزي كاد ان غرق ثم اهتدي الي جزيرة عاش عليها وحده الي حين .. وغيرها كثير من حكايا الترحال والمغامرات فلم اجد بد من الإعداد لرحلة ؛ لكن الي اين وكيف وانا لا املك نقود تجعلني اخوض مجاهل افريقيا لأعيد اكتشاف منابع النيل الأبيض او نهر النيجر كما فعل الاوربيون ..
كما ان هناك وسائل حديثة للتنقل تقلل من متعة الترحال ماذا افعل ؟! ان ذاك تنادت انباء عن وجود ثعبان ضخم في طرف القرية البعيد بجوار احد المستنقعات كان هذا الثعبان يسكن ارض لرجل يدعي الحاج عطية وقد دفعه لهجرة ارضه وتبويرها لأن الثعبان الضخم يمرح في الحقل بطوله؛ اتخذت قراراً أن تكون رحلتي إلي غيط الحاج عطية الذي استولي عليه الثعبان وهجرها الناس ..
اعددت جوال فارغ مغلق تماماً وشققت احد وجهيه من المنتصف وضعت في ناحيةً منه الماء والناحية الأخرى بعض الطعام وكانت لدينا حمارة بيضاء كسولة القيت عليها بالجوال وخرجت فجراً علي حين غفلةً من اسرتي قاصداً ارض الحاج عطية , حاملاً ألة تصوير كانت لدي حتي التقط الصور النادرة للثعبان والمصاعب التي ستواجهني فتكون شاهد علي رحلتي العظيمة ..
كان الطريق يمتد الي عشرة ألاف متر هي عبارة عن ممرات وعرة ضيقة فيها شطآن لخلجان ومصارف وحدود مرتفعة ضيقة لحقول موحلة – لذا لبست حذاءً ذا رقبة حتي يقيني من الوحل ولدغات الثعبان حين اصل . كنت امعانًا في ارهاق نفسي حتي اشعر بما يشعر به المكتشفون اترك الطرق الممهدة السهلة واسير في قلب المياه والخلجان الضحلة وفي الأرض الموحلة ، مما اصابني والحمارة بإرهاق شديد لكن هكذا تكون الرحالة ! أخرجت من جوالي الذي فوق الحمارة بعض الطعام حتي اتناول الإفطار خاصةً وان الشمس تدفعني دفعاً للجلوس . جلست الي جوار اثيثة ضخمة اتريق شاعراً بلذة المغامرين ، اقترب مني احد الفلاحين متعجباً ثم قال : ماذا تريد ؟ سألته : اين غيط الحاج عطية ؟ ازدادت دهشته وقال انه بعيد عن هنا ، لابد انك تائه ، من أي القري انت ؟ ابتسمت ملتمساً له الاعذار ، فهو علي ما يبدو جاهل اذ لم يكتشف انني احد الرحالة مع ان ذلك بادي بجلاء القيت بجوالي علي حمارتي وسرت في طريقي ..
قال الفلاح بصوت مرتفع : إن الطريق ليس من هنا ! لكني لم اعره اهتماماً وانطلقت بحمارتي . اشتد قيظ الشمس ؛ أخرجت قبعةً من الخوص كنت قد احضرتها لهذه الظروف آن ذاك أبيت علي نفسي السير في الظلال وكنت اتعمد السير تحت الشمس . تمنيت ساعتها لو أن معي استاذي ومثلي الأعلى وصديق اخي الأكبر الذي يمدني بالكتب ليستمتع معي بهذه الرحلة . أخرجت ورقة وقلم وأخذت اكتب فيها ما أراه وكان مشهد مزر عبارة عن : مجموعة من الأسلاك القوية التي تعبر من شاطئ المصرف الي الشاطئ الأخر مثبتة علي براميل عائمة فوق وجه المياه الداكنة حتي تمنع مرور جثث الحيوانات النافقة وفروع الأشجار الميتة وغيرها اشياء كثيرة قد امتدت هذه الاشياء من زمن بقاءها الطويل خلف البراميل صانعةً جزيرة ضخمة لها ذات الشكل المقزز والرائحة النتنة ؛ كان علي رغم ذلك ان اسجل كل شيء . إلي اليسار ينتشر بعض الفلاحين من اهل هذه البلاد في الحقول . ظهر جسر صغير فوق المصرف الذي سأعبر عليه حتي اصل الي الطريق المؤدي لغايتي . بدء سماط اخضر من عيدان البرسيم ينداح علي جانبي الممشي ثم يغرق جميع الاتجاهات . بينما الحمارة تسير بصعوبة علي الممشي الترابي الذي لا يزيد عن قدمين اتساعاً . كلتّ من المسيرِ اقدامي وشعرت بألم في اوصالي لكن لابد من مواصلة الرحلة.. بدأت ادون مرةً اخري “لاحظت بجلاء ان اهل هذه البلاد مسالمين فلم يتخطي رد فعلهم نحوي اكثر من النظر بدهشة وقد يبرر دهشتهم غرابة خلقتي وملابسي عنهم . قرب العصر لاحت مني نظرة للخلف حتي اعرف كم سرت ، كانت نهاية حقول البرسيم غير ظاهرة من البعد يا لها من مسافةٍ طويلة ، الأن يجب ان استريح لتناول طعام الغداء لولا اني لمحت ذؤابة شجرة المانجو الوحيد في هذه الناحية التي تميز غيط الحاج عطية انها في بطن مارس مرتفع لذا لم تظهر من بعيد ..
علي ان اسعي حثيثاً حتي اصل قبل الليل لأتمكن من التقاط صور جيدة . تناولت بعض لفافات الخبز بالجبن التي ارهقتني في المضغ لكن ذلك لم يمنعني من التهامها . لاحت في الأفق جهة اليمين جبال من الظلام : انها حدائق المانجو التي تمتد من هناك الي ما لا نهاية وتبدو كالليل للناظرين . ذؤابات الحلفا التي تملأ منطقة المستنقع الواقعة بين الحدائق وحقول البرسيم . الأن ظهر امامي غيط الحاج عطية ؛ احكمت رباط حذائي حتي لا يلدغني الثعبان او اليفه فتكون نهايتي . اعددت الة التصوير التي احضرتها من المولد قبضت علي منسأتي خلعت قبعتي ووضعتها علي رأس الحمارة . بهدوء نزلت الي بداية الغيط التي كان اول المارس المنخفض لاحظت مزود اسفل شجرة المانجو ملئ بالتبن لكن لا أثر للحياة .
الحقل به مناطق مليئة بعيدان البرسيم الشائخة ومناطق بارت ومناطق نبتت بها الحشائش اقتحمت قلب الغيط اتلمس الثعبان الضخم وأثاره والغريب اني لم اهاب واظن انها احدي فوائد الرحلات ان تكتشف بعض قدراتك الكامنة . عند جانب الحقل كان هناك تل عالي من السباخ لاحظت ان عليه شيء يتحرك اسرعت نحوه لقد كان حقاً ثعبان يأخذ حمام شمس التقط له صورة وانا اشعر بإثارة اذ أن هذا الثعبان يقترب من الثلاثة اقدام أي انه صغير ، قد يكون ابن الثعبان الأكبر ، لمسته بحذائي فاستدار منقضاً علي الحذاء بسرعة : اجفلتني طرت للخلف . اسرع بعيداً عني نهضت وسرت خلفه فإذا بي اجد مشهد مرعب عدد كبير من الافاعي من نوع الكوبرا لأنها كانت تنتصب واقفة ثم تسير وهكذا .
بدأ الخوف يتسرب إلي لكني لم اتركه يتغلغل في ، لأنني لم التقي بعد بالثعبان الأكبر الذي التهم فيما سمعت رجلاً بأكمله . التقط عدد من الصور بينما كانت الأفاعي تسير مسرعةً الي جحورها إلا واحدةً انتصبت امامي ثم سارت بعيدة وانتصبت مرة اخري رافعةً عنقها ظلت مستقرة كمضرب الهوكي ؛ انتظرت ان تشحن الة تصوير ستكون صورة نادرة لهذا المخلوق . اذا بها تهتز مخرجةً سائل سقط علي الكاميرا وعلي وجهي وعيني ؛ كفكفته وانا منزعج من هذه الطريقة العفنة لتخويفي , التقط الصورة كانت تنصرف بينما تابعتها حتي اجد جحر الثعبان الأكبر لكني لم اجده ! شعرت ان ذاك بحرقان في عيني قلت ربما من بصقة هذه الافعي النتنة ، بدأ الحرقان يزداد واشعر بألم شديد ؛عدت ادراجي الي الحمارة .
قررت ان اعود مسرعاً قبل ان يجن الليل واستكشف امر هذا الثعبان والتقط له الصور .. حين اقتربت من قريتنا كان الظلام عنيفاً وعيني اليمني لا أري بها وألآمي تزاداد .. الفيت منزلنا .. الجميع في قلق علي وقد انهكهم البحث عني في كل مكان . تلقفني اخي صارخاً في وجهي بكيت ليس من صراخه ولكن من الآم عيني ..
سقط مغشياً علي بعد قليل تنادي إلي اسماعي حديث اسرتي عن امتحان الابتدائية الذي علي ان اخوضه غداً، ثم سمعت صوت الطبيب صديق اخي وصديقي يتساءل الي اين كنت ذاهباً ؟! وذكر شيئاً عن عمي قد يمتد لفترة بسبب سم الكوبرا . برقت في ذهني أسماء لمشاهير كانو مكفوفين وقد قرأت عنهم مثل هوميروس وبشار ابن برد وأبو العلاء المعري وطه حسين قررت حين اشفي ان استكمل قراءتي عنهم .