إعداد- محمود الورواري
تحتفل محافظةالشرقية بعيدها القومي في التاسع من سبتمر من كل عام وذلك تخليدا لذكري وقوف إبنها البار الزعيم أحمد عرابي أمام الخديوي توفيق بميدان عابدين عارضا مطالب الجيش والشعب عام ١٨٨١م.
وقبل تسليط الضوء علي حركة عرابي في سبتمر ١٨٨١م،لابد من معرفة التطورات والروافد التي أدت لتلك الحركة،فبعدعزل الخديوي إسماعيل وتعين ولده توفيق زاد التدخل الأجنبي في شئون مصر من قبل إنجلترا وفرنسا،بينما كان الخديوي الجديد ضعيف الشخصية ،محدود الفكر،يتهيب القوة الأجنبية التي عزلت أباه،ويشعر بالإمتنان والفضل لها لقيامها بتعيينه،ونظرا لكثرة تدخل الدولتان في شئون مصر الداخلية آثر السلامة وخضع المستعمرين وإستعدي رجال الحركة الوطنية،وفي الوقت ذاته كان توفيق كارها للحياة الدستورية فرفض دستور شريف باشا بحجة أن مصر لم تتهيئا للحياة الدستورية بعد،مما دفع وزارة شريف الإستقالة في أغسطس ١٨٧٩ وشكل توفيق الوزراة برئاسته ثم أصدر مرسومين بإعادة تأسيس المراقبة الثنائية والتي تحولت لإدارة للتدخل العلني والصريح في شئون مصر،وبعد مرور ثلاثة أسابيع ،أسندت الوزارة لرياض باشا الذي نكل بالحركة الوطنية وأعتقل الرموز الوطنية وصادر الصحف وزات الضرائب،ولقد أثار الإستبداد الأجنبي وأستعباد مصر ماليا إستياء مختلف طوائف الشعب،وزادت مشاعر السخط بين الجميع حتي وصلت لضباط الجيش الذين شعروا بالتفرقة بينهم وبين الضباط الأتراك وقصر الرتب العليا علي الأتراك،وكان عثمان رفقي وزير الحربية في وزارة رياض رجلا جركسيا فإضطهد الضباط المصريين،ونتيجة لكل ذلك فقد إختار هؤلاء الضباط أحد زملائهم ويدعي أحمد عرابي.
ونود الإشارة إلي شخصية عرابي،فهو أحمد الحسيني عرابي والذي ولد في ١ أبريل ١٨٤١ بقرية هرية رزنة التابعة لمركز الزقازيق بمحافظة الشرقية،وقد إلتحق بالجيش وترقي حتي عين ناظرا للجهادية في ١٨٨٢،وبعد هزيمة الجيش بسبب الخيانة في التل الكبير تم نفيه إلي جزيرة سرنديب (سيلان) أو سريلانكا حاليا،حيث ١٩عاما عودته من المنفى عام ١٩٠٣،وقدأحضر عرابي شجرة المانجو إلى مصر لأول مرة،ثم إنتقل إلي رحمة الله في ٢١ سبتمبر ١٩١١ .
من هذا المنطلق بدأ دورالجيش في الحركة الوطنية فيما يعرف بالثورة العرابية نسبة إلي الزعيم عرابي،ودارت الإجتماعات السرية بينهم وبين الفلاحين،وفي ١٦ يناير سمع الضباط عن مؤامرة ضدهم بهدف إبعادهم عن أماكنهم،فقرروا إختيار عرابي لكي ينوب عنهم في رفع مطالبهم للخديوي،وقد ذهب عرابي وعبدالعال حلمي وعلي فهمي لمقابلة رياض باشا وقدموا له عريضة تضمنت مطالبهم وهي عزل عثمان رفقي وزير الجهادية(الحربية)،وتعين غيره من المصريين، وزيادة عدد الجيش إلي ١٨ ألف جندي،وتحقيق المساواة بين رجال الجيش وإصلاح نظام الترقية،وحاول رياض إقناع الضباط بسحب العريضة،وقرر الخديوي إعتقال الضباط الثلاثة،وتم إستدعائهم لمقر وزارة الجهادية بقصر النيل،وما أن دخلوا ديوان الوزارة حتي صدرت الأوامر بإلقاء القبض عليهم في فبراير ١٨٨١،لمحاكمتهم أمام مجلس عسكري،وعندما شاع خبر القبض علي هؤلاء الضباط زحف البكباشي محمد عبيد بجنوده وهاجموا ديوان الوزارة وأخرجوا الضباط من السجن بالقوة وتوجهوا إلي قصر عابدين للمطالبة بعزل عثمان رفقي،ولم يسع الخديوي سوي الإستجابة لمطالبهم،وتم تعين محمود سامي البارودي ناظرا للجهادية.
من هذا الحادث ذاع صيت عرابي في أرجاء البلاد،واتصل به الكثير من العلماء والأعيان والتجار ،وبالتالي أخذت حركة الجيش في بدايتها طابع عسكري،ولم يتقدموا بأي مطلب سياسي،ولكن تغيرت نظرة الشارع التي أصبحت تنظر لعرابي بأنه البطل المغوار الذي سيخلص الشعب من وطأة الإستعمار،وتحولت من حركة عسكرية إلي ثورة شعبية.
وما أن لبث الخديوي حتي أقال البارودي وزير الجهادية وعين داود يكن،والذي نكل بالوطنين وتعقبهم بمراقبتهم.
ولم يجد عرابي أمامه سوي إسقاط الوزارة التي ترفض الحياة النيابية ،ولعل قرار الخديوي بإبعاد الفرقتان التي يقودهماعرابي وعبدالعال حلمي خارج القاهرة لتشتيت شمل الجيش،فسارع عرابي بالإتصال بالوطنين لإقامة مظاهرة سلمية لتقديم عريضة الخديوي بشأن عزل وزارة رياض باشا وتشكيل مجلس النواب،وتحرك عرابي وسط جنوده وآلاف الوطنين ثم تقدم عرابي للخديوي بطلبات الشعب والجيش في ١٨٨١/٩/٩ والتي تمثلت في إقالة وزارة رياض وإقامة حياة نيابية وزيادة عدد الجيش إلي ١٨ ألف جندي والتصديق علي القوانين العسكرية ،فرد الخديوي بقوله كل هذه الطلبات لا حق لكم فيها وقد ورثت البلاد عن آبائي وأجدادي وما أنتم إلا عبيد إحساناتنا،فقال عرابي:لقد خلقنا الله أحرارا ولم يخلقنا تراثا أو عقارا فوالله الذي لا إله هو إننا سوف لا نورث ولا نستعبد بعد هذا اليوم.وأكد عرابي أن الجيش لن يبرح المكان حتي تتحقق إرادة الأمة.
ولم يجد الخديوي سوي الإستجابة لمطالب الشعب فأقال وزارة رياض وأحال المطالب الخاصة بزيادة عدد الجيش والحياة النيابية إلي الأستانة وعهد إلي شريف باشا بتشكيل الوزارة وإجريت الإنتخابات في أكتوبر ١٨٨١ .