إننا بصدد الحديث عن عالم جليل وشيخ من شيوخ الإسلام وعلم من أعلام مصر عامة والشرقية خاصة،إنه القاضي زكرياالأنصاري مجددالقرن التاسع الهجري وذلك لشهرة الأنتفاع به ولكثرة تصانيفة وإحتياج أغلب الناس إليها فيما يتعلق بأمر دينهم ودنياهم.
ولدالقاضي أبو يحيى زكريا بن محمد بن أحمد بن زكريا الأنصاري السنيكي المصري الشافعي بقرية الحلمية (سنيكة سابقا)التابعةلمركز أبوحماد محافظة الشرقية سنة826هـ/1417م،وقدنشأ يتيما حيث مات والده وهولايزال طفلا،
وقدكانَ الإبن الوحيد لأبويه،فَلا إخوة ولا أخوات عِنْدَه،حفظ القرآن منذ صغره ثم إلتحق بالأزهر فدرس الفقه والتفسيروالنحو والصرف والهندسة والحساب والجبر والمنطق والتصوف والأصول والميقات وغيرها من العلوم، وتتلمذ على يد أفاضل العلماء كالحافظ ابن حجر،وإبن الهمام،والشمس القاياتي، والشرف المناوي،والشمس الحجازي وغيرهم.
المناصب التي تقلدها:
تولي الشيخ زكريا الأنصاري التدريس بمقام الإمام الشَّافعي والنظر على أوقافه، ولم يكن بمصر أرفع منصبًا من هذا التدريس،ثم مشيخة خانقاه الصوفية،مشيخة مدرسة الجمالية،منصب قاضي القضاة،وكان ذلك في سنة 886 هـ،واستمر مدة ولاية السلطان الأشرف قايتباي.
مؤلفاته:
ألف الشيخ زكريا الأنصاري العديد من المؤلفات في شتي العلوم ومن أشهر مؤلفاته:بلوغ الأرب بشرح شذور الذهب،لب الأصول،غاية الوصول بشرح لب الأصول،التحفة العلية في الخطب المنبرية،تحفة نجباء العصر في أحكام النون الساكنة والتنوين والمدوالقصر،تلخيص الأزهية في أحكام الأدعية للزركشي،تلخيص أسئلة القرآن وأجوبتها لأبي بكر الرازي،حاشية على شرح المحلي على جمع الجوامع،حاشية على التلويح شرح التوضيح في أصول الفقه لسعد الدين التفتازاني،حاشية على شرح البهجة لولي الدين بن العراقي،فتح الرحمن بشرح لقطة العجلان وبلة الظمآن للزركشي في أصول الفقه،الدقائق المحكمة في شرح المقدمة،الغرر البهية في شرح البهجةالوردية،خلاصة الفوائد المدية في شرح البهجة الوردية،تحفة الطلاب بشرح تحرير تنقيح اللباب،منهج الطلاب متن في فقه الشافعية،فتح الوهاب بشرح منهج الطلاب،أدب القاضي على مذهب الإمام الشافعي،إحكام الدلالة على تحرير الرسالة،الأضواء البهجة في إبراز دقائق المنفرجة.
وصفه العلماءبقولهم”قَدْ جمع من أنواع العلوم والمعارف والمؤلفات المقبولة ومكارم الأخلاق وحسن السمت والتؤدة والأخذ عَنْ الأكابر مَا لَمْ يجمعه غيره .
مواقف من حياته:
لقدَكَان العالم الجليلَ منهمكا في طلب العِلْم،لا يجعل لنفسه متنفساً سواه،حَتَّى أشغله عَنْ مأكله ومشربه،فحكى عَنْ نَفْسه،قَالَ” جئت من البلاد وأنا شابٌّ فلم أعكف عَلى الاشتغال بشيء من أمور الدنيا وَلَمْ أعلّق قلبي بأحد من الخلق ، قَالَ:وكنت أجوع في الجامع كثيراً،فأخرج في الليل إلى الميضأة وغيرها،فأغسل مَا أجده من قشيرات البطيخ حوالي الميضأة وآكلها، وأقنع بِهَا عَنْ الخبز.
وَكَانَ الأنصاري إذا أطال عَلَيْهِ أحد في الكلام يَقُول لَهُ : عجِّل قَدْ ضيَّعتَ عَلَيْنَا الزمان ، وَكَانَ إذا أصلح القارئ بَيْن يديه كلمة في الكِتَاب الذي يقرأ ونحوه ، يشتغل بالذكر بصوت خفي قائلاً : الله الله ، لا يفتر عَنْ ذَلِكَ حَتَّى يفرغ،وَكَانَ قليل الأكل لا يزيد عَلَى ثلث رغيف .
وَكَانَ من أخلاقه أنه كَانَ صداعاً بالحق،لَمْ يثنه الخوف عَلَى المنصب أو هيبة سلطان عَنْ زجر الظالم أو إنذار العاصي،حَتَّى أن الغزي يذكر أن سبب عزله عَنْ القضاء بسبب خطه عَلَى السلطان بالظلم وزجره عَنْهُ تصريحاً وتعريضاً .
وقد قيل في صفاته” وَكَانَ صاحب الترجمة مَعَ مَا كَانَ عَلَيْهِ من الاجتهاد في العِلْم اشتغالاً واستعمالاً وإفتاءً وتصنيفاً ومع مَا كَانَ عَلَيْهِ من مباشرة القضاء ومهمات الأمور،وكثرة إقبال الدنيا،لا يكاد يفتر عَنْ الطاعة ليلاً ونهاراً،ولا يشتغل بما لا يعنيه،وقوراً مهيباً مؤانساً ملاطفاً ،يُصَلِّي النوافل من قيام مَعَ كبر سنه وبلوغه مئة سنة وأكثر،ويقول :لا أعوّد نفسي الكسل،حَتَّى في حال مرضه كَانَ يُصَلِّي النوافل قائماً،وَهُوَ يميل يميناً وشمالاً لا يتمالك أن يقف بغير ميل للكبر والمرض،فقيل لَهُ في ذَلِكَ،فَقَالَ: يا ولدي النفس من شأنها الكسل، وأخاف أن تغلبني وأختم عمري بِذَلِكَ .
أشهر أولاده:
الشيخ العلامة الصالح جمال الدين يوسف وقد قيل عنه بأنه شرح مختصراً لبعض الشافعية لكتاب “التحرير في أصول الفقه ” لابن همام ،وولد أخريدعى زكريا .
وفاته:
لقد إختلف المؤرخين حول سنة وفاته فمنهم من قال بأنه توفي في ذي الحجة سنة 926هـ/1520،بينما قال أخرون بأنه توفي سنة925هـ /1519)ودفن بالقرافة بالقرب من الإمام الشافعي رضي الله عنه بالقاهرة.
رحم الله الشيخ زكريا الأنصاري رحمة وأسعة وأسكنه فسيح جناته،جزاء ما قدم من علم نفع به الأمة الإسلامية إلي أن تقوم الساعة.