من فضل الله تعالي أن جعل لنا مواسم لنستكثر فيها من الطاعات ونتزود فيها من الخير مصداقا لقول النبي صل الله عليه وسلم “إن في أيام دهركم لنفحات ألا فتعرضوا لها،لعل أحدكم تصيبة منها نفحة لا يشقي بعدها أبدا”رواه الطبراني. ومن هذه المناسبات تحويل القبلة التي حقق الله فيها أمل نبيه ورجاه،فلقد كان صلي الله عليه وسلم وأصحابه يتوجهون إلي الكعبةالمشرفة طيلة إقامتهم في مكة وهذه كانت قبلة نبي الله إبراهيم وإسماعيل،فكان يصلي بين الركنين فتكون بين يديه الكعبة وهو مستقبل صخرة بيت المقدس،ولماهاجر من مكة للمدينة توجه بأمر ربه إلي بيت المقدس ستة عشرأوسبعة عشر شهرا حتي يتألف قلوب اليهود وليؤكد للعالمين أن دعوته ليست بدعامن الرسل وإنما تأكيدا وتأييدا للنبوات والرسالات السابقة،وكان يحب أن تكون قبلته الكعبة بإعتبارهاقبلة أبيه إبراهيم ومكان نزول الوحي،فكان دائم النظر للسماء،فأنزل الله قوله”قد نري تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلةترضاهافول وجهك شطر المسجد الحرام”،وقد أجاب الله نبيه إلي مبتغاه وأمره أن يتوجه إلي الكعبة المشرفة وكان ذلك في السنة الثانية من الهجرة. من هنا نؤكد علي عدة نقاط لابد وأن توضع محل الإعتبار والإهتمام: – إظهار العلاقة بين المسجد الحرام والمسجد الأقصي ليشعر المسلم بقدسية المسجدين،وفي ذلك توجيه للمسلمين بأن يعرفوا منزلة المسجد الأقصي ويستشعروا مسؤليتهم نحوه حيث كان مسري ومعراج وقبلة النبي النبي صل الله عليه وسلم. -لقد أخبرنا الله أن تحويل القبلة سيطلق ألسنة اليهود والمنافقين فقال”سيقول السفهاء من الناس ماولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها”إذا كان مافعله بالأمس حقا،فلماذا تركه اليوم؟وإذا كان إستقبال الكعبة حقا فلماذا تركه بالأمس؟،ولقد كان تحويل القبلة إختبار من الله عزوجل للمسلمين لقوله”وماجعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب علي عقبيه” وبالتالي كان التحويل إمتحان تصفية لقلوب المؤمنين وإمتحانا لمن أراد الله له الهداية من اليهود،وقد مات بعض الصحابة قبل تحويل القبلة فسأل عنهم أهلوهم فجاء الرد القرآني”وما كان الله ليضيع إيمانكم إن الله بالناس لرؤوف رحيم”. -لقد شرف الله الأمة بأن جعلها خير الأمم فجعلها أمة وسطا تنال شرف الشهادة علي الأمم السابقة،وفي مقابل تلك المنزلة أن تقوم بالشكروالطاعة والإمتثال لأوامر الله . -حب الوطن والإنتماء إليه ويتضح ذلك جليا من تشوق النبي وهو بالمدينة للتوجه ناحية المسجد الحرام بمكه التي هي موطنه الذي تربي فيه،وهذا يدل علي مدي إرتباطه وصدق إنتمائه وحبه لوطنه،فكان يعمل لصالح وطنه حتي وإن جار عليه،فعلي الرغم من إخراج قومه له إلا أنه صل الله عليه وسلم كان يتمني الخير والشرف والرفعة لبلده التي أخرج منها،وهذه هي صفات الوطنيين،وليس مثل من خرجوا من البلاد بعدما تعلموا وترعرعوا وأكلوا من خيراتها وشربوا من نيلها أن يطلقوا العنان لألسنتهم بالطعن في تراث الوطن وأبنائه،جاحدين وناكرين للنعمة التي أكلوها،متأمرين عليه،يتمنون سقوطه وتدميره،يكيدون له المكائدإعتقادا أن هذا جهادا،لكنه في الحقيقة فسادا وخيانة،وعلي عكس ما كان يتمناه رسول الله لوطنه مكه من رفعة وسمو وهو بالمدينة المنورة. -يبين الحدث مكانة النبي عند ربه ولهذا جاء النص القرآني صريحا”فلنولينك قبلة ترضاها”بدلا من قوله فلنولينك قبلة نرضاها،لكن الله أراد أن يعلمنا مكانة وعظمة ومنزلة النبي صل الله عليه وسلم. – بيان مكانة الصلاة والعنايةبشأنهاومنزلتها. وفي الختام نؤكد علي أن القبلة رمز لوحدة المسلمين،فالمسلمون في مشارق الأرض ومغاربهايتجهون في صلاتهم نحو الكعبة،فإذا كانت وجوههم نحو الكعبة فلمالاتكون قلوبهم جميعا إلي الله؟حتي يعودوا إلي ما كانوا عليه من عزة وهيبة وقوة. وكل عام وأنتم بخير.